المساحة الفارغة تستهلك الوقود
الذي يسير في الطرق السريعة بين المدن أو داخلها في خليجنا العربي، يجد مساحة كبيرة من الوقت ليشرد بذهنه خارج الحدود وداخلها، حتى دون جواز سفر أو تأشيرة دخول، ولكي يستغل الوقت الممل ـ عادة ـ في شيء ممتع، قد يلجأ لأن يفكر في مقدار المساحات الفارغة بين المناطق التي يرتادها أو يمر عليها، ومن خلال تلك التصورات السريعة أو البطيئة داخل تفكيره تمضي الساعات حتى يصل إلى وجهته متعبا من مساحات استهلكت وقود سيارته وانتظار عمره.
الجمعة / 24 / ربيع الثاني / 1436 هـ - 15:45 - الجمعة 13 فبراير 2015 15:45
الذي يسير في الطرق السريعة بين المدن أو داخلها في خليجنا العربي، يجد مساحة كبيرة من الوقت ليشرد بذهنه خارج الحدود وداخلها، حتى دون جواز سفر أو تأشيرة دخول، ولكي يستغل الوقت الممل ـ عادة ـ في شيء ممتع، قد يلجأ لأن يفكر في مقدار المساحات الفارغة بين المناطق التي يرتادها أو يمر عليها، ومن خلال تلك التصورات السريعة أو البطيئة داخل تفكيره تمضي الساعات حتى يصل إلى وجهته متعبا من مساحات استهلكت وقود سيارته وانتظار عمره. فعندما تغيب عن منطقة معينة فترة من الزمن بوطننا ثم تعود إليها، تستغرب من سرعة امتداد المعمار والبناء طولا وعرضا وإنشاء أحياء جديدة لم تكن موجودة أثناء آخر زيارة لك، الأمر الذي يشعرك بالإكبار لهذه الجهود وهذه الحركة التطويرية السريعة على المستوى الخاص والحكومي، لكنك لا تكاد تكمل مسيرة الإعجاب تلك حتى تضطر لإسدال الستار على أحلامك، وأنت ترى فواصل صحراوية فارغة بين كل امتداد وآخر، وكأن النشاط المعماري عبارة عن مجموعة أحجار ألقيت من الأعلى فتفرقت دون تنظيم. ظاهرة التزاحم والالتصاق والتوالي في الامتدادات المنطقية والطبيعية للمدن في العالم تعد دراسة يدرسها أهل الاختصاص في الجامعات، وتلك الدراسة التخصصية تعتمد على التخطيط المسبق والتقييم النهائي والمسح الجغرافي في إنشاء المدن الحديثة، كذلك تعنى بعض الدراسات بالبحث عن التغيرات في المساكن وإحياء الأراضي بناء على ربطها بالطبيعة الجغرافية والحياتية للناس الذين هم أهل تلك المناطق. في بلدنا تذهب المشاريع بعيدا عن أعين الناس ومرامي الوصول لتختار صحراء بعيدة الموقع خالية الوفاض معدومة الخدمات والبنية التحتية والفوقية لتكون مقرا لها، فتستهلك من الجهد والمال ووقود الأيام والنفوس والوصول والتحضير، ما لا تستهلكه أماكن فارغة أخرى قريبة من السكان سهلة التجهيز والتطوير. وهذا الجري المحموم الذي تسلكه المشروعات في بلادنا تزعم من خلاله أنها تثير الحماس لدى السكان أن يلحقوا بها، لتكون مسؤوليتهم خلال فترة البناء والاكتمال أن يقوموا بتغطية تلك المساحات الفارغة التي تفصلهم عن أكبر المستشفيات أو أضخم الجامعات أو مبنى إحدى المؤسسات ببناء ومساكن وتخطيط وتطوير وخدمات ليكونوا أقرب لما يريدون ويرتادون. أزعم بأن طبيعة دولنا النفطية جعلتنا نفكر بطريقة بترولية خالصة لنوفر أسواقا مستمرة واستهلاكا متزايدا لبضاعة اشتهرنا بتصديرها، وهي مخزوننا الطبيعي من كنوز الدنيا، ولا مجال لأن يكون الاستهلاك المحلي والداخلي لملايين البراميل يوميا من الوقود، إلا بأن تكون المدن مترامية الأطراف والمساحات الفارغة هي الغالب والأعم، لأنه بذلك سيكون الربط بين المربعات المأهولة بطرق سريعة تقام على جنباتها محطات بترولية لا يتوقف الطلب على وقودها ليل نهار للسائرين المضطرين.