لعنة إعاقة الديمقراطية
الخميس / 10 / صفر / 1438 هـ - 20:15 - الخميس 10 نوفمبر 2016 20:15
لا يحتاج الإنسان إلى أن يجادل كي يثبت أن فاتورة إعاقة الديمقراطية في المنطقة العربية هي أكثر كلفة من فاتورة التحول الديمقراطي بذاته. رأينا كيف أدى شعار «الأسد أو نحرق البلد» إلى تدمير سوريا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وإنسانيا وثقافيا، وكيف أصبحت سوريا صومالا جديدا أو أفغانستانا أخرى. فقد عادت سوريا إلى ما قبل عصر الصناعة، وأصبحت الأمراض البدائية كالحصبة والكوليرا تنتشر بين أشلاء المدن السورية.
حتى إن ما تبقى من الدولة الوطنية السورية الحديثة بات أشبه ما يكون بمكتب سكرتارية لمخابرات روسيا وإيران، ونقطة تجمع لمرتزقة أتوا لقتل السوريين الأبرياء الباحثين عن الحرية والكرامة والعدالة. في اليمن تأخر استحقاق المبادرة الخليجية التي قبلها المجتمع اليمني على مضض، والذي تمثل في انتخاب رئيس جديد خلال فترة زمنية محددة من عمر المرحلة الانتقالية، فإذا به يفاجأ بجماعة دينية قادمة من القرون الوسطى تسيطر على مفاصل الدولة في العاصمة صنعاء.
وفي مصر تدخل الجيش بالسياسة فكانت النتيجة ما نرى وكأننا أمام فيلم سينمائي غامض!
وفي ليبيا كان الصراع السياسي بين القوى السياسية في أوجه خلال المرحلة الانتقالية، وبلغ الاستقطاب حدته بين مكونات الشعب الليبي، إلا أن الأمور كانت تحت السيطرة، لكن الليبيين وجدوا أنفسهم مضطرين مرة أخرى لحمل السلاح بوجه الانقلابي حفتر الذي تخيل دور المنقذ وفشل في ذلك، وما زال يحاول إفشال جهود ملك المغرب في تحقيق التوافق السياسي بين الفرقاء الليبيين. وفي تونس كانت جهود إعاقة الديمقراطية أقل شراسة وربما أكثر درءا للعواقب بالتالي أصبحت فاتورة الثورة المضادة هناك أقل تكلفة.
لا أحد في هذه البلدان يطمح بأكثر من فرصة عمل تليق به كإنسان ومسكن مريح وتعليم ورعاية صحية واجتماعية تمكنه من العيش بكرامة وحرية في دولة يسودها القانون. إلا أن النخبة السياسية التي استمرأت الفساد والضحك على المجتمعات والارتهان للدول الأجنبية يؤلمها أن تبقى تحت سلطة القانون، بالتالي أدى الحقد السياسي والنظرة الفوقية إزاء المجتمعات إلى تدمير البلدان وقتل الأطفال وتهجير الملايين. والمثير في الموضوع أن النخب السياسية التي عولت على إعاقة الديمقراطية وجدت نفسها الآن خارج المشهد السياسي برمته؛ فالأسد بات كما نرى مجرد سكرتير لروسيا وإيران، وطائفته تئن من فقد عشرات الآلاف من أبنائها ولم تعد تحظى بتلك الامتيازات التي كانت تحظى بها قبل الثورة.
وكذلك الحال بالنسبة لصالح في اليمن الذي تحول من رئيس سابق وزعيم حزب مشارك بالحكومة والمرحلة الانتقالية إلى قاتل مأجور لدى جماعة الحوثي، ويوما بعد يوم يفقد حضوره السياسي في مرحلة الانقلاب على المرحلة الانتقالية. وفي مصر جميع القوى العلمانية التي اصطفت مع الجيش وجدت نفسها خارج المشهد السياسي. وفي ليبيا بات حفتر كما لو أنه قاطع طريق منبوذ يغير على القوافل ليؤكد للجميع أنه ما زال موجودا.
فإذا كانت رسالة الربيع العربي أن الإنسان العربي ما زال موجودا وله حق العيش بكرامة وعدالة وحرية فإن الدرس الأكثر أهمية هو أن الوقوف بوجه الإنسان البسيط والحيلولة بينه وبين حقوقه قد جلبا الشؤم واللعنة على المنطقة والعالم برمته. فقد تدمرت المنطقة وتمددت القوى الثيوقراطية كإيران وداعش والحوثي، وصعد اليمين المتطرف في أوروبا جراء لعنة إعاقة الديمقراطية، وما زلنا في البداية والقادم أسوأ!
fayed.a@makkahnp.com