الخير والشر والإنسان
الخير والشر ثنائية في الوجود البشري، ومنهما تنشأ الطاعة والمعصية، والحق والباطل، والثواب والعقاب، في ثنائيات تختلف وتلتقي، تستدعي القوة والضعف، وربما الحيرة والشك عند محاولة إدراك العمق والتعامل معها بحركات العقل ومعطياته إلى أن يعلن العقل قائلا: (نهاية إقدام العقول عقال) ويبدأ تحالفه مع النفس ليعملا معا في فهم حركة الإنسان. هذه مقدمة مفتاحية يكمن خلفها أسئلة لا تنتهي أو أسئلة مفتوحة كما هو طريق الحقيقة.
الخميس / 25 / شوال / 1435 هـ - 19:30 - الخميس 21 أغسطس 2014 19:30
الخير والشر ثنائية في الوجود البشري، ومنهما تنشأ الطاعة والمعصية، والحق والباطل، والثواب والعقاب، في ثنائيات تختلف وتلتقي، تستدعي القوة والضعف، وربما الحيرة والشك عند محاولة إدراك العمق والتعامل معها بحركات العقل ومعطياته إلى أن يعلن العقل قائلا: (نهاية إقدام العقول عقال) ويبدأ تحالفه مع النفس ليعملا معا في فهم حركة الإنسان. هذه مقدمة مفتاحية يكمن خلفها أسئلة لا تنتهي أو أسئلة مفتوحة كما هو طريق الحقيقة. لن أتحدث فقهيا أو فلسفيا عن (الخير والشر) فذلك له موضع آخر. ولن أذهب بك أيها القارئ لأبعد مما يعينك على فهم الحياة وإدراك دورك في الوجود. إنما أريد أن أشاركك الفهم في بعض الأمر حول الخير والشر. أولا: هل الأصل في الإنسان الخيرية أم الشر؟ أم أنه صاحب طبيعة محايدة لديها البواعث والدوافع؟ وفي القرآن: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) ومن هنا كان محتاجا إلى الهادي والدليل، فشاءت حكمة الخالق بإرسال الرسل وإنزال الكتب. فـ(الخير والشر) ثنائية طبيعية. ومن هنا أيضا يتعامل الإنسان مع ذاته وغيره وفق هذه الحقيقة. وكلما حاول مغادرتها أو تجاهلها عاقبته نفسه بالحيرة والوسوسة والريب. فالنفس صاحبة حق تطلبه وتدركه (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ). ثانيا: وبناء على ما تقدم فليس هناك خير محض ولا شر محض. بل أبعد من ذلك فليست المحضية يطلب فعلها كخير، ولا مطلوب تركها كشر. فما العمل؟ وكيف يوازن الإنسان حياته وهو إن كان على الخير فليس معصوما عن الشر، وإن كان على الشر ففيه من الخير، إن ظاهرا أو باطنا؟ إن الاختيار الأنفع والأفضل للإنسان ليس في طلب الكمال، فهو محال عليه، ولكن كما يعبر الفقيه ابن تيمية بقوله (أن يعلم خير الخيرين وشر الشرين) أي التغليب والترجيح، وعليهما تقوم فلسفة الحياة في الوجود الممتزج. فالعالم مزيج، كما يعبر (الشاطبي)، والدنيا دار امتزاج، كما يعبر (ابن تيمية)، والتغليب والترجيح مختلف باعتبارات (الزمان والمكان والأحوال والأشخاص) ثم هو ليس متوقفا على الإنسان دون الكون والحياة، فالحركة مشتركة والوجود منسجم. ومن يدرك هذا المعنى يجد لحياته طعما وتنفتح له آفاق العمل وتتعاون معه الموجودات، حيث يعمل وفق قوانينها وطبيعتها، بخلاف من لا يدرك ولا يعي فيهدر طاقته ويبدد جهوده مراغما ومعاندا. وعند ذلك تغيب تلقائيته وانسيابيته مكتفيا بما تحققه له الحسابات والأحكام المسبقة من الأمان الوقتي والنسبي. ثالثا: البعض مما نحسبه شرا هو ليس كذلك. ولكن مفهومنا الضيق للخير، بسبب محدودية معلوماتنا أو ضيق أفقنا أو تحكيم أعرافنا وعاداتنا في فهم الخير، هو الذي يقلص مساحة الخير. فنحسب كثيرا من الأشياء شرا، وهي ليست كذلك، فقط لأنها خارج الخير الذي نحن نضعه بين هلالين! وهذه العقلية التي تتكون بهذه الطريقة سوف تلجأ إلى التحريم والممانعة. وسوف تعيش في أزمة مع المعرفة ومع الذات ومع الغير... مع العالم في تحولاته واكتشافاته. يجب أن ندرك أنه ليس من مصلحتنا تقليل مساحاتنا الخضراء في عالم يتسع ويتواصل ويلتقي، بل إن مصلحتنا أن نفرح بكل إضافة صحيحة وندعمها. قد يكون من الرشد أن نؤسس لـ(علم الشر) فنعلمه وندركه ونراقب تطوراته وتحولاته، ليس لإلغائه ولكن لتقليل انبعاثاته، فإن علم الشر من الخير. ولهذا العلم أسس حذيفة ابن اليمان حين قال: كان الناس يسألون النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. وذكر الحديث. رابعا: إن الخير هو المناعة والوقاية والقوة من الشر. فبحسب محتواك ومخزونك من الخيرات والحسنات تتقوى مناعتك من الشرور والسيئات. وفي القرآن (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ). ومن هنا كان فعل الأمر مقدما على ترك النهي. كما أن النهي في حقيقته ليس إلا ترك الأمر. لست أقصد من هذا الحديث سوى تحريك الأفهام وتغيير الرؤى حول جوهرية الوجود الإنساني وصراعه المستديم مع الخير والشر، كي لا تذهب الحياة وتتصرم الأعمار دون أن تضع الحرب أوزارها. ولست أفهم الدين إلا ما يدعم هذا الإنسان للعيش كفاعل وحارث وهمام دون أن تستوقفه العقبات أو تحبسه التوهمات، فالإنسان هو سجان نفسه.