رهبة المليار
أولا لا أريد أن أخبركم ولا أخبر أحدا غيركم عن علاقتي بالمئة ألف والمليون والمليار وما أشبه ذلك من الأرقام، ولكنني قد كتبت مقالا قبل سنوات أظنه نشر في الكلام الأخير من
الثلاثاء / 23 / شوال / 1435 هـ - 19:30 - الثلاثاء 19 أغسطس 2014 19:30
أولا لا أريد أن أخبركم ولا أخبر أحدا غيركم عن علاقتي بالمئة ألف والمليون والمليار وما أشبه ذلك من الأرقام، ولكنني قد كتبت مقالا قبل سنوات أظنه نشر في الكلام الأخير من مجلة اليمامة الغراء عن رهبة المليون وهيبته في القديم وكيف كان وقعه على الأسماع عندما يذكر حتى أصبح من يملك مليونا يضفي عليه المليون لقبا شرفيا عاليا يسمى به بين الناس (مليونير) واليوم ونحن نحمد الله على ما يصيبنا من فضله ذهب وهج المليون وسطوته وهيبة مالكه وحل محله رقم آخر بكل جبروته وقوته وخطورة حتى التلفظ به، وتلك الأرقام تلعب بها الأيام الرقم الجديد هو المليار ليس الواحد المفرد فقط ولكنه الجمع المبارك منها، مئة مليار، مئتا مليار، وأكثر من ذلك وأقل، نسمعها صباح مساء تقتسمها مشاريعنا المستقبلية في التعليم بكل درجاته وفنونه وتخصصاته فيعظم عندنا الأمل، وتأخذ الصحة نصيبها من المليارات في مستشفياتها وأطبائها وفنييها ومختبراتها فنطمئن على صحتنا ونقول لا عوز بعد اليوم لمريض، ونجد طرقاتنا ومساراتها ومسافاتها لها نصيبها من مئات المليارات التي نسمعها تجلجل في آذاننا وعلى أسماعنا فنقول ذلك ما نبغي، وقل مثل تلك المليارات للماء والكهرباء لخدمة المستقبل ورفاهية الحاضر وأمان الأجيال القادمة التي نبني اليوم لمستقبلها، وننفق بسخاء لا مثيل له من أجلها، ومن منا لا يحمد الله أن وهبنا هذه الثروة الهائلة التي تمكننا من أن نعمل اليوم لما تحتاجه أجيالنا في حياتهم القادمة، ومن منا لا يسره أن يسمع هذا الإنفاق الكبير الهائل لتأسيس بنية تحتية قوية، تكون قوة لاقتصادنا وعونا على تذليل الصعوبات التي قد تواجهنا في الحياة وفي تقلبات الأمور. لكن ما يبعث القلق في نفوسنا أننا نعرف، كبيرنا وصغيرنا وعالمنا ومن لم يتعلم منا، أن هذا النبع الصافي الذي يتدفق علينا اليوم بهذه المليارات هو البترول وهو مصدر قوتنا الوحيد الذي لم نستطع على مدى مئة سنة أن نجد مصدرا بديلا عنه، ولا مصدرا مساعدا له ولا موازيا، ولا شيء من ذلك ولا أمل فيه، وأنه أطال الله بقاءه ناضب لا محالة يوما ما، وأن هناك من المخاطر والآفات ما قد يتعرض تدفقه العارم وسيله المبارك، مثله مثل أي بضاعة في السوق تخضع للعرض والطلب، وتبدل الظروف، وتغير الأحوال، كانخفاض سعره أو كساد سوقه، ومتقلبات الأسواق ومتغيراتها، وكل منا يعرف أن مصدرنا الوحيد هذا مر بأزمات فيما مضى من الأيام وأن أثر ضعفه وكساده كان قاسيا علينا في ذلك الوقت، وبعضنا يذكر أزمة التسعينات من القرن الماضي، ونحن آنذاك أقل عددا وليس عندنا هذه البنية الضخمة التي تحتاج صيانتها والقيام عليها لتؤدي وظيفتها مليارات الدولارات. ففي الوقت الذي نشعر بضخامة ما تبنيه القدرة المالية اليوم من مشروعات عملاقة فإن هاجس المحافظة عليها لا بد أن يكون هما من همومنا وأولوية من أولوياتنا، وأن الاتساع الكبير والمبالغة فيما لا نحتاجه بالضرورة أمر يجب التفكير فيه، وإعادة النظر والتقويم، وأن يضع المخططون للمستقبل نصب أعينهم انخفاض سعر البترول في أحسن الأحوال أو مزاحمة الطاقة البديلة له، وأن يقدروا صيانة هذه المشاريع الهائلة وتكاليفها، ولا سيما أن الخيارات حتى اليوم قليلة ومحدودة والمستقبل يوحي أن ليس لدينا بدائل قريبة للبترول، والأولى أن نفكر قليلا فيما نفعل ونقدر ما هو ضروري ونعمله ولا نبالغ فيما لا تدعو الضرورة إليه.