الأمان الوظيفي

البعض منكم عانى كثيرًا قبل أن يحصل على وظيفة، حتى إنه أصبح يكره المعاناة، مع ما لها من طعم لذيذ عند بلوغ الهدف

البعض منكم عانى كثيرًا قبل أن يحصل على وظيفة، حتى إنه أصبح يكره المعاناة، مع ما لها من طعم لذيذ عند بلوغ الهدف. ولكن البعض الآخر، وخصوصًا من موظفي الدولة لم يعانوا كثيرًا؛ بل إن بعضهم قد عين في وظيفته مغصوبًا من والده أو من قريب له، يملك السلطة، والجاه لاغتصاب الوظيفة دون جهد. وتمر سنوات الوظيفة، بين مد وجزر ويعتاد الموظف فيها على وظيفته وما يناله منها؛ فمن عانى للوصول إلى الوظيفة يظل متشبثًا بها، حتى ولو حرم من الترقية، والتدريب، والتطوير، ويحاول بجَلدِه وجهده عدم الإخلال بواجباته المتعاظمة، وإعطاء الوظيفة من وقته أكثر ومن جهده أعظم، بل إنه قد يتملق، ويسير في الظل، ويداري على ضوء شمعته، لمعرفته بمعنى الظلام وإحساسه بمرارة البطالة والفقر، فيُخلِص ويصبر ويناضل، ولكنه بالمقابل قد لا يسلم!. بينما يستمر من أتى بالواسطة في التأفف من وظيفته، والتمرد على أنظمتها وارتباطاتها وواجباتها، وربما يصل الأمر للتغيب، والتحايل بالإجازات المرضية، وفي كل عودة له، يجد المكان أفسح، والمكتب أضخم، والترقيات والمغريات والدورات والنثريات أكثر وأكثر. كل ذلك يحدث بيننا بجلاء، مع اختلاف في نسبة الوضوح؛ وهذا هو حال الفساد، ونهج النفوس المؤمنة بالطبقية والفئوية، والجاهوية، والتي تنتهج الزحلقة عند التفاضل، وعند التمييز، ولا تخشى من رقيب في السماء، ولا نزيه في الأرض!. الأمان الوظيفي ضرورة لمن لديه طموح، ولمن يريد أن ينتج ويسعى للتميز، متأملًا أن يُقدر رؤساؤه حقيقة جهوده، وأن ينال التحفيز، والفرص، التي يستحقها؛ وهو لعبة لمدلل يمتلكه في جيبه الصغير، مهما تمرد على النظم، وأهمل وشاغب وتطاول. الزميلان في نفس المكان لا يعاملان مثل بعضهما، وهنالك لجان لحقوق الموظفين، وعندما يتقدم المتضرر بشكوى ضد مديره، يكون قد بلغ قمة التحدي، ووضع نفسه في (خانة اليك)!. فحينها سيصبح له عداد ثوان، وليس دقائق لحضوره وخروجه، وساعتها ستصبح جهوده هباء منثورًا، وتكون تقاريره السنوية إساءات، مهما أبدع وتميز. يطلب النقل لجهة أخرى، ويواجه بالرفض القاطع، حتى يتيقن بأنه يُحد بكل الوسائل إلى تقديم استقالته، والتي يعرف بأنها نهاية مرعبة، فآخر تقرير له لن يشفع له بالحصول على أي وظيفة في القطاعات الأخرى. في كثير من الأعمال الحكومية، يبرز معنى السيد، والتابع، ويتم تأصيل ذلك بقرارات لجان حقوق الموظفين المؤدلجة، والتي قد تتعاطف مع المظلوم، ولكنها تخشى جانب مديره الواصل، والذي ربما يكون يومًا مديرًا تنفيذيًا عاما، فيكون انتقامه أول ما يكون بأعضاء اللجنة!. أين يقع الخلل، وهل هو أخلاقي تربوي، أم ديني منحرف، أم اجتماعي تعودناه في مجتمع البادية، الذي يسكننا، ويجعلنا بأعيننا ومشاعرنا وحرصنا نفتش عن الخروق في القوانين لنفزع لربعنا وأحبابنا، ولنزيد شدتنا في تهديد الأمان الوظيفي لمن لا يعجبنا؟!