الكلفة الأخلاقية..في الصراع السياسي

كم مرة تسمع من يقول إن «السياسة لا علاقة لها بالأخلاق» بتعبيرات متقاربة حول هذه الفكرة لتأكيد أنه لا توجد أخلاق في السياسة

كم مرة تسمع من يقول إن «السياسة لا علاقة لها بالأخلاق» بتعبيرات متقاربة حول هذه الفكرة لتأكيد أنه لا توجد أخلاق في السياسة. إذا اقتنعت بهذه المقولة فورا فأنت أغلقت القضية في ذهنك مبكرا، فالبعض يفتقد القدرة على فهم الأفكار المركبة من مستويات متعددة، فالإشكال في حقيقته علاقة معقدة بينهما، وتحتاج وعيا بعدة مفاهيم في السياسة والأخلاق، ولهذا يتسرع كثيرون بنفي الأخلاق من الدول الكبرى، والنظام العالمي والمواثيق الدولية..وكأننا فعلا في غابة دولية من خلال هذا الصراع أو ذاك. عندما تزداد مساحة الانفصال بين الأخلاق والسياسة كما يحدث في إدارة الدول الفاسدة، والديكتاتوريات الفاشلة يحدث الانهيار الكبير مهما تأخر، ومهما كانت القوة التي تحمي هذا النوع من الأنظمة، لانتهاء هذا الرصيد الأخلاقي..فالمشروعية السياسية تتغذى من البعد الأخلاقي في الممارسة السياسية لأي نظام. مقابل ذلك حدث التقدم واستمر طويلا في دول غربية وشرقية استطاعت أن تصنع مواءمة أكثر معقولية بين المصلحة السياسية والأخلاق، ومن يريد أن يعدد انتهاكات دول متقدمة، فهو يدل على أن البعد الأخلاقي حاضر في سياساتها، وإلا لما بذل جهدا في البحث عن نماذج من أخطائها، ومع تقدم العالم حضاريا أصبحت هناك مفاهيم أخلاقية كونية مشتركة خاصة في مجال حقوق الإنسان. هناك وعي خاطئ بالواقعية السياسية جعل البعض يتوهم بأنه يمكن إهمال البعد الأخلاقي خاصة في السياسة الخارجية. في الصراعات والحروب ومواجهة الإرهاب تحضر المسألة الأخلاقية بصورة دقيقة ومعقدة بالنسبة للأنظمة والدول في سياستها الداخلية والخارجية. وكلما كانت الدول قوية عسكريا وماليا كانت واجباتها الأخلاقية أكبر في المنظومة الدولية، فتلام في تدخلها أو عدم تدخلها، وتحرص بعض الدول المصدرة للسلاح أن تضع ضوابط في تصديرها وإن كان عمليا يشوبها الكثير من الخلل، وعدم التزام هذه الدول حيث تدعم أنظمة تنتهك حقوق شعوبها لأسباب كثيرة ومتعددة. ومع حالة الانفتاح الإعلامي غير المسبوقة في نظامنا الكوني، والتي أصبح فيها الفرد يتابع ما يحدث في كل مكان بدون الاعتماد على ممرات إعلامية بيروقراطية احتكرتها وكالات وقنوات إعلامية كبيرة لأزمنة طويلة، أصبحت الدول أمام تحديات أخلاقية جديدة، وأي تجاهل لهذا البعد أو عدم الوعي بأهميته يعرضها لخسائر أخلاقية كبيرة في بعض الصراعات والحروب لسوء إدارة الخطاب الإعلامي خلال الحدث، فيحرص الساسة والزعماء في دول كبرى أن تتضمن خطبهم البعد الأخلاقي في سياستهم الخارجية أثناء الانتخابات أو خلال بعض الأزمات السياسية..لشرح أسباب التدخل أو عدمه. ومع العدوان على غزة نجد العدو الصهيوني يحاول أن يبرر ممارساته دوليا بكل الحيل، وتوريط الآخرين معه بحجة أنه يحارب الإرهاب كما يحاربه غيره، ولهذا تبدو حاجتنا كبيرة لوضع المواقف الإعلامية بصورة أكثر عقلانية مستحضرة البعد الأخلاقي عند أي صراع.