طريق النجاح

جاء في تاج العروس: النجاح بالفتح والنجح بالضم: الظفر بالشيء والفوز. وقد نجحت الحاجة كمنع وأنجحت وأنجحتها لك، وأنجحها الله تعالى: أسعفه بإدراكها، وأنجح زيد: صار ذا نجحٍ. وهو منجحٌ من قومٍ مناجيح ومناجح. وقد أنجحت حاجته إذا قضيتها له. والنجاح هو الخروج على المألوف بشكل إيجابي ببذل الوسع والجهد والطاقة لتحقيق هدف نبيل سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى المحيط أو البلد أو على مستوى الإنسانية. والنجاح هو ثمرة أعلى درجات الاستقامة مع التخطيط والتوازن وصدق النية قبل ذلك، وقد ورد في الحديث الشريف «لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربعٍ، عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه». ولذلك فالنجاح الحقيقي هو الذي يشمل كل مناحي الحياة، فهو الاستقامة على الطاعات وتحري الكسب الحلال والإنفاق، وهو الإدارة الصحيحة للعمر إجمالا، والعمر هو الوقت الذي يتساهل كثير من الناس في حفظه. والوقت أسهل ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع. والإنسان مسؤول عن حفظ صحته، فالإنسان مطالب بالحفاظ على صحته، والحفاظ كذلك على ماله، فلا يضيع شيئا في غير مباح. فالنجاح في أي من هذه الجوانب مطلوب، لكن النجاح المتميز هو الحفاظ على الجميع وإقامة ميزان العدل بين جميع شؤون ومناحي الحياة من بيت وعلاقات اجتماعية وعمل وطاعات، فلا يركز على جانب على حساب آخر. قال سلمان رضي الله عنه لأبي الدرداء الذي كان قد صرف نفسه عن أمور الدنيا بعد أن دعاه للنوم فنام: «قم الآن»، فصليا، فقال له سلمان: «إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فاعط كل ذي حقٍ حقه»، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق سلمان». إذن فالنجاح الحقيقي هو التوازن في شؤون الحياة وإعطاء كل ذي حق حقه، والنجاح الأمثل له مقتضيات ومتطلبات، منها تحديد الهدف والتخطيط والعمل الجاد واستخدام المواهب كلها وتطويرها وتطوير الذات من أجل الوصول للهدف. يقول جيم رون: النجاح هو التقدم المستمر نحو تحقيق المرء لأهدافه. والنجاح يكون على عدة مستويات، منها نجاح الأفراد في الدراسة والعمل، والنجاح في إدارة البيت وتربية الأبناء وإقامة علاقات اجتماعية متوازنة. وهناك النجاح والتأثير الذي يسهم في تغيير أحوال بلد بل وأحوال أمة وأحوال الإنسانية كلها كنجاح أصحاب الاكتشافات الحديثة من كهرباء وطيران واتصالات وخدمات طبية. والنجاح يكون على مستوى الدول، فهناك دول نجحت في بناء حضارات وتحولت من حال الفقر والتخلف إلى حال التقدم والبناء الحضاري والتقدم العلمي والتكنولوجي، وشواهد ذلك كثيرة في عالمنا اليوم..والنجاح يقابله الفشل، وأصعب الفشل هو التقهقر والتراجع بعد تحقيق الأهداف، وهذا أيضا يصدق على الأفراد وعلى المجتمعات وعلى الدول والأمم. ومما يعين على تحقيق الأهداف عدم تأجيل عمل اليوم إلى الغد، واكتساب مهارات جديدة بشكل منتظم وتغيير وتطوير أساليب وطرائق العمل والتفكير، وكذلك تصحيح الأخطاء والاستفادة من تجارب الآخرين وقراءة قصص الناجحين والتفاؤل، وأن تكون العثرات والأخطاء محفزات، وأن يجعل الإنسان لنفسه قدوة من العظام، فذلك يسهل له الوصول إلى أهدافه وعدم الالتفات للمثبطين. ومن أهم المحفزات أن يكون سقف الأهداف بلا حدود. إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم. وطريق النجاح هو أن تعمل حين يتوقف الآخرون، وأن تسهر حين ينام الآخرون، وأن تتحمل حين يضعف الآخرون، وأن تستغل الوقت حين يضيعونه. والنجاح هو أن تصبر حين لا يصبر الآخرون، وأن تتحلى بالحلم حين يغضب الآخرون، وأن تقابل إساءة الآخرين بالإحسان. والنجاح أن تضحي بمالك ووقتك ومواهبك لخدمة الآخرين. والنجاح كذلك أن تؤثر في الآخرين وتقودهم إلى النجاح، وأن تكسب مناعة ضد تأثير البطالين والكسالى. والنجاح هو الاستغلال الأمثل للمواهب والتغلب على المصاعب والعثرات والاستفادة من الأخطاء للانطلاق بصورة أقوى دون تردد، والأهم من ذلك استحضار النية ليكسب الإنسان في الدارين، وذلك هو أفضل النجاح وغايته. والنجاح له طعم لا يذوقه إلا من كد واجتهد وتعب، وعلى قدر حجم التضحية يشعر الإنسان بالنجاح وقيمته، لأن النجاح يتطلب ركوب المخاطر التي يشعر الإنسان بعد النجاة منها بسعادة غامرة، أما من فضل القعود وتقاعس عن دفع الثمن فلن يحصد النجاح. ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر