الرأي

التسطيح الفكري والضحك على «الشوارب»

الجهل ببعض المفاهيم والمصطلحات وتفاصيلها هو سبب مباشر للخوف منها واستعدائها، والإصرار على هذا الموقف هو أحد مظاهر الجهل المركب الذي ما زال ينمو وتتطور أشكاله المعتمة حتى هذه اللحظة. بشر كثر لا يعرفون حقا ماذا يعني مصطلح بعينه إلا من خلال ترجمة الوصي الديني عليهم الذي يعتقدون بدورهم أنه أوتي الحكمة كلها، فلا ينبغي له الخطأ ولو بنسبة 1%، ويملك بناء على هذا التنزيه حق امتلاك عقل وصوت من يتبعونه، وهذه أحد أحلك الممرات التي يعاني منها مجتمعنا.. حيث تصطدم بحائط فكري صلد يرفض أن يكون له رؤية شخصية حرة حول أي مفهوم كان بعد البحث فيه بشكل مجرد بدون وسائل فلترة أو تزييف، فلو أخذت في شرح المصطلحات التي شوهت بناء على تزييف أو تطبيق في مراحل زمانية ومكانية مختلفة مثل العلمانية بدون أن تأتي على ذكر الاسم المعبر عنها، ستجد من يستحسنها ويعتبرها أحد أهم الحلول للمشاكل الدينية والطائفية الراهنة خاصة وأن الأمثلة التي يبحثون عنها ماثلة حولهم ويعجبون بها، ولو تهورت وابتدأت بتسمية جملة هذا الشرح بالمسمى العام فسوف يفسر حديثك غالبا بأنه جزء من مؤامرة انطلاقا من قاعدة البيانات السوداء المدرجة في لا وعيه خلال سنوات طويلة. أنا من المعتقدين بأن الإسلام يمكن أن يتعامل مع العلمانية في أغلب صورها؛ وهو مفهوم تدرج تاريخيا عبر مجتمعات عدة وأخذ صورا عديدة، منها المتشددة مثل: الشيوعية والعلمانية الفاصلة بين الدين والسياسة ومنها العلمانية العقلانية المحايدة التي تتشكل بتدرج إذا ما استبعدنا أنها خروج عن التوحيد كما جرى تصويرها لنا أزمنة طويلة، لإطالة أمد السيطرة والاستئثار بالضمير والعقل المجتمعي تحت شعار حمايتنا منها ومن شرورها. صورة معتمة تعبر عن جزء من وسائل التسطيح والوصاية الفكرية: ممانعة دائمة تحت مسميات كثيرة منفرة ومخوفة من إتاحة جميع الكتب في المكتبات ومعارض الكتاب واستمرار اختطاف الفكر العام وتسطيحه أكثر، فإذا كنت تملك المبدأ والطريق الصواب ستكون غالبا قوي الحجة مرتاحا لفكرة توسع الناس في الوعي والمعرفة وليس العكس. الليبرالية صارت كوصمة عار لمن يتحدث عنها أو ينادي بها في مجتمعنا؛ لما حمل على ظهرها أصحاب الفكر الواحد من تشويه ونيل من أصحابها، حتى ظن بعض الدراويش بأنها مذهب ديني أتت به بعض الدول؛ وليست فلسفة فكرية ومنظومة قانونية تحمي حقوق وحرية الأقليات المسلمة في الدول الكبرى غير المسلمة؛ بل وتدافع عنهم، وهذا يؤكد أكثر بأن الوعي والمعرفة تجاهد لتبقى وتصل إلى من لا يقرأ، فتصل كسيحة أو مشوهة أو شيطانية. الأحداث المتسارعة خلال العشر السنوات القريبة كشفت من الزيف الكثير، وأكدت بأن الجهل بأصل الأمور واتباع تحليلات وترجمة بعض المنظّرين جريمة فكرية وجهل مركب لا يغتفر، فالجهل في زمن السباق المعرفي «حرام». لندع للعقول مجالا متسعا وميسرا لحرية القراءة والبحث والمعرفة بدون «جمرك»، إنها أمانة كبيرة أن تنقل الصورة والمعرفة كما هي، ثم تضع رأيك عنها بموضوعية وحياد، وهو أيضا تحدٍّ صعب لكسر النظام القابض على العقول التي اعتادت على الوصاية المعرفية.. وحتى نصل لهذه المرحلة المضيئة سننتظر المزيد من التسطيح والضحك على «الشوارب».