الأعياد التراث الحضاري

في كل الثقافات البشرية، وفي كل الأديان يصنع الإنسان أياما للتوقف والتغيير من رتابة الحياة وديمومتها، إلى لحظات يحتال بها على الوقت واستمراريته، حتى يشعر نفسه بالانقطاع للراحة من ملل الاستمرار الطويل الذي يجد أن كسره شيء مهم في حياته، ثم يستأنف الحياة من جديد، يحاول أن تكون بدايته مختلفة عما كان عليه حاله قبل التوقف، وكأن الزمن فيما يحدثه قد تحول مع العيد، وبدأت الحياة مسيرة مختلفة عما كانت عليه قبل ذلك التوقف المطلوب

في كل الثقافات البشرية، وفي كل الأديان يصنع الإنسان أياما للتوقف والتغيير من رتابة الحياة وديمومتها، إلى لحظات يحتال بها على الوقت واستمراريته، حتى يشعر نفسه بالانقطاع للراحة من ملل الاستمرار الطويل الذي يجد أن كسره شيء مهم في حياته، ثم يستأنف الحياة من جديد، يحاول أن تكون بدايته مختلفة عما كان عليه حاله قبل التوقف، وكأن الزمن فيما يحدثه قد تحول مع العيد، وبدأت الحياة مسيرة مختلفة عما كانت عليه قبل ذلك التوقف المطلوب. كانت الأعياد تحدث هذا الشعور بالبدايات التي يحرص عليها الناس ويتبادلون بها الهدايا ويظهرون الكثير من الفرح والتسامح، وكأن الزمن بدأ حركته الأبدية مع هذه اللحظات التي يختارونها عيدا، وقد حمل التراث الديني والاجتماعي للأمم والشعوب كما كبيرا من التنظير لفلسفة الناس لأعيادهم التي يختارونها، فواصل لمسيرة الزمن الطويل، قد يكون العيد لمناسبة دينية يجدون فيها حاجة لغذاء الروح وتليينها من جفاف الحياة التي يشعرون بها، فيكون العيد في هذه الحال انقطاعا من الكد والكدح والتكالب على أهواء النفس ومكتسبات الدنيا إلى لحظات تأمل ومراجعة لحساب الآخرة، وتذكرا لمستقبل أفضل للإنسان، وقد يكون العيد إحياء لتاريخ مضى للمجتمع فيه ما يريد إعادته وتكراره ويعتز به، ويكون العيد مناسبة تربوية وتعليمية محببة إلى كل من يحتفل به، وقد يكون تاريخ أمم وجماعات، وقد يكون تاريخ ملل ونحل، وغير ذلك من المناسبات التي يريد الناس تكرارها لا لذاتها ولكن لحاجتهم إليها، وقد كانت الأعياد القومية هي الشائعة والمعروفة في التاريخ البشري. ولكن في العصر الحديث الذي أصبح من طبيعته الانتشار والتكاثر، أصبحت الأعياد ليست قومية واجتماعية ودينية كما كانت من قبل، بل صار المرء يجد حتى في المناسبات الفردية والشخصية والأسرية ما يمكن أن يحتفي به ويجعله عيدا يتكرر في حياته وفي حياة من حوله من أقاربه وأهله، وأصبح طعم العيد يتلون بألوان ثقافات الشعوب وعاداتها وقيمها الاجتماعية. أما المسلمون فكان عيداهما، عيد رمضان وعيد الأضحى، من أكثر الأعياد مسرة في الحياة، ومن أكثر الأعياد التي تتوشح معانيها بروح الإسلام وثقافته وعاداته وقيمه، حيث يغلب الجانب التعبدي على الأيام التي تسبق العيد، فيكون لمعنى العيد لدى المسلمين قيمة روحية عالية، وكان لتقلب الظروف والأحوال على المسلمين نصيب كبير من ذكر أيام الأعياد، وتبدل الأشياء في هذا العيد أو ذلك، وارتبط بعضها بحالات شخصية. أما لشاعر مثل المتنبي فقد أصبح بيته المشهور أهم ما يردده الناس عندما يمر عيد لا يجدون فيه فرحة العيد وسعادته، فتنطلق ألسنة من هذا حالهم ببيت المتنبي المشهور: عيد بأي حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد ولا يمر عيد فيه شيء من عدم الراحة والرضا على أحد إلا ينطلق هذا البيت على لسانه وكأنه أحد لوازم العيد وحاجاته، ومثل بيت المتنبي وإن كان أقل منه سيرورة وشهرة بيت المعتمد ابن عباد المأسوي في وصف حاله ودولة الأيام عليه، وتذكره للعيد في سلطانه ودولته، والعيد في سجنه وزوال مملكته: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا وكان عيدك باللذات معمورا وكنت تحسب أن العيد مسعدة فساءك العيد في أغمات مأسورا من بات بعد في ملك يسر به فإنما بات في الأحلام مغرورا هذه الأعياد مسرة وفرح لفريق من الناس، وحزن وألم لأناس آخرين، تكون مرة مسعدة ومرة غير ذلك، «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، حتى أيام الأعياد هي دول وحالات.. أعاد الله أعيادكم بما يسركم ويسعدكم، وكل عام وأنتم بخير.