من رحم الأزمة قد يكون الحل
الثلاثاء / 1 / صفر / 1438 هـ - 19:00 - الثلاثاء 1 نوفمبر 2016 19:00
الشدة التي قد يتعرض لها الفرد أو الجماعة والمجتمع ليست عاملا سلبيا في كل الأحوال حتى وإن بدت كذلك، لكن قد تأتي الشدة معلنة مجالا للنظر والحذر واليقظة التي تدفع المجتمع للبحث عن حلول لا يمكن البحث عنها لولا الشعور بضغط الحاجة. والشدة تدفعه ليفكر ويجتهد ويقوم بمحاولات ممكنة لتجاوزها، ولولاها ما أقدم على شيء يواجه به الظروف الصعبة التي يمر بها الناس، فالشعور أن الإنسان يواجه صعوبات يجعله يفكر كثيرا ويبحث عن الحلول ويستعين بأهل العلم والبصيرة والرأي والروية، ولا يعتمد على رأيه واجتهاده في تدبير ما هو بحاجة لتدبيره. وكم من صعوبة فتحت مجالات رحبة للتفكير والتغيير وكانت سببا في تغيير الواقع إلى ما هو أفضل منه، ومن ذلك أن ضغط الأزمة يجعل الناس أكثر استعدادا للعمل جميعا على الخلاص منها وتجاوز آثارها والبحث عن مخارج معقولة، ولا يلبثون أن يجدوا طريقا إلى الرخاء الذي لولا ضغط الحاجة لم يكن التفكير فيه ولا النظر إليه واردا وممكنا. أنا شخصيا أعتقد أن ما كشفه المسؤولون للناس في الآونة الأخيرة من بوادر الأزمة الاقتصادية هو عين الصواب وليس الصمت عن الأخطار وتجاهلها أو تأجيل الحلول لها أو التهرب من مواجهتها. حسن أن تكون لدينا مساحة من الشفافية والوضوح، والأحسن أن الجميع أصبح على علم بما نواجه من تحديات كنا إلى عهد قريب لا نفصح عنها بسهولة ولا يتاح الحديث عنها بشكل معلن وواضح. كنا في السابق نكل أمرها للخاصة والمسؤولين وقلما شعر المواطن العادي أنه جزء من المشكلة وجزء مهم في حلها، أما اليوم فإنه لم يعد يخفى شيء ولم يعد أحد قادرا على أن يخفي ما يعلمه العالم كله ويتحدث عنه الصغير والكبير وتذيعه وتنشره كل وسائل النشر من الداخل والخارج، والأهم أن المواطن أصبح مشاركا في إدراكه وشعوره واستجابته للواقع الذي يحيط به، وفوق ذلك أتاحت له وسائل التواصل الاجتماعي أن يعرض رأيه بكل حرية وتفاعل لا يمكن تجاهله.
ومن يرصد الرأي العام في الوقت الحاضر يدرك أن الفرد صار فاعلا وحاضرا في قضيته، يعبر عن رؤية ويدافع عنها ويعلن مواقفه مما يراه حوله وما يخصه، وهذا حال لم يكن مسبوقا من قبل، وحضور الإنسان الفرد بات قيمة مضافة للشأن العام لم تكن معترفا بها وغير مقدرة قبل اليوم.
نقرر بلا خلاف أننا حكومة وشعبا نواجه صعابا كثيرة ومتعددة الوجوه، وكل منها تحتاج إلى طول الروية وعمق النظر والمواجهة كما هي بحجمها الذي تستحقه، وليس التهوين منها مهما كان رد الفعل والاعتراف بها. يجب أن نقرر أن لدينا في الداخل حاجة حادة بنيوية وإدارية تتعلق بالشأن العام يمكن إجمالها في نقاط عامة حتى نبحث لها عن حل قد يكون حاضرا وقريبا وسهلا التعامل به، وقد يكون الحل صعبا أو غامضا، أو لا تكون القدرة عليه متيسرة حتى لو عرفناه وأدركنا أبعاده وأخطاره، هذه النقاط في الشأن الداخلي:
لدينا حاجة ماسة وملحة إلى إعادة هيكلة المؤسسات العامة وتمييز بعضها عن عمل البعض الآخر، والفصل بين تداخل تخصصاتها ومسؤولياتها. ولدينا هدر كبير في الموارد العامة نحتاج إلى إعادة النظر فيه وترشيده وفق أولويات منضبطة. ولدينا مبالغة في الصرف والإنفاق وتضخيم التكاليف في بعض المشاريع وعدم الدقة فيها، ذلك ما عودتنا عليه سنوات الرخاء والوفرة التي مررنا بها سريعا ولا زلنا نعيش في جوها حتى الآن. ولدينا حاجة ماسة إلى تقييم المشاريع الكبيرة وإعادة النظر بتوزيعها توزيعا عادلا في المناطق والمدن الأقل نموا والأكثر حاجة للمزيد من التنمية. أما ما هو أهم من كل ذلك فإن لدينا حاجة ملحة لتجاوز العصبيات والقرابات والمصالح والمعارف إلى البحث عن الكفاءات والقدرات عند اختيار الرجال الذين سيديرون الأزمة التي نحاول التغلب عليها والخروج منها.
marzooq.t@makkahnp.com