شرورة والعطش بين جدب الصحراء وغرق السيول

إذا كان الماء يغمر ثلاثة أرباع العالم، فإن مدينة شرورة تقع في قلب الربع الجاف من الكرة الأرضية

u0645u062fu062eu0644 u0645u0637u0627u0631 u0634u0631u0648u0631u0629 u0627u0644u0645u062du0644u064a

إذا كان الماء يغمر ثلاثة أرباع العالم، فإن مدينة شرورة تقع في قلب الربع الجاف من الكرة الأرضية. حكاية العطش مع شرورة ـ أقصى الجنوب الشرقي للسعودية ـ تشبه جغرافيتها القاسية. وهي على الرغم من شح الأمطار فيها، إلا أنها وبسبب تضاريس أراضيها المنخفضة تواجه مشكلة دائمة مع السيول المنقولة، مما يجعل حكايتها مع الماء ساخرة ومتناقضة بين الجدب والغرق!تقع شرورة على خطوط طول 27ـ17 شمالا و09ـ47 شرقا. تحيطها كثبان الرمال من ثلاث جهات، فيما تحدها صخور بركانية تتمدد تحت الرمال في اتجاه الجنوب وصولا إلى سلسلة جبال الأحقاف الشهيرة. ويشاع أن سبب تسمية المحافظة يعود إلى قدح الشرار نتيجة احتكاك هوادج قوافل الإبل القادمة من بين الصخور البركانية في الجنوب. وقيل إنه من شدة انعكاس حرارة الشمس على الرمال حتى إنها لتبدو مشتعلة لكل من ينظر إليها. عنوان الحياةفي المجالس والمنتديات الأهلية هناك أربع قضايا رئيسة تدور حولها الأحاديث لتزجية الوقت في مناقشات مفيدة حول احتياجات المحافظة التنموية، ويشارك الجميع في طرح الحلول لها بلا كلل أو ملل. انقطاع تيار الكهرباء في فصل الصيف جراء الأحمال الكبيرة، والنقص الهائل في عدد رحلات الطيران من وإلى مطار شرورة، ومشكلة تصريف مياه السيول! لكن لا حديث يعلو أبدا فوق حكاية العطش، فهو عنوان الحياة الرئيس، وأكبر المعارك الأزلية التي يخوضها السكان ضد جبروت الصحراء المحيطة. وللأسف، لا يبدو أن لهذه الحكاية نهاية في المدى المنظور..ومن هنا تبدأ القصة:

20 ريالا تعوق رواج الفلاتر

تعج أحياء وأسواق محافظة شرورة بالمطاعم والمقاهي الشعبية التي تستخدم بالتأكيد مياه الآبار المحلية. ويدور شك كبير في نوعية المياه المستخدمة لتجهيز الأكلات والمشروبات التي تقدمها للزبائن. وللأسف لم تتمكن “مكة” من الحصول على تصريحات للمسؤولين للوقوف على تأثير استهلاك المياه غير الصالحة للشرب على الصحة العامة لسكان المحافظة. في شارع الثلاثين التجاري يتوسط متجر هو الوحيد من نوعه لبيع وتسويق أجهزة منزلية لتحلية وتنقية المياه بطاقة تتراوح بين 50 و75 جالونا يوميا، وتكلف عملية تركيب جميع الأجهزة الخاصة بالشرب والخزانات العلوية نحو 2000 ريال للمنزل الواحد. ويقول خالد بن حمد آل عجيان مدير المتجر: كانت هناك 5 محلات لتسويق أجهزة التحلية المنزلية، لكنها أغلقت جميعها نشاطها بسبب عدم الإقبال عليها. وأضاف: واصلنا العمل بالصبر والتسويق لمنتجاتنا منذ عام 1422هـ وحتى الآن..مؤكدا أن هناك نموا ملحوظا في إقبال السكان عليها بعد تعرفهم على أهميتها خاصة لتنقية مياه الشرب. ويضيف خالد البريكي: عندما افتتحنا المحل طلب منا وكيل الشركة المنتجة لهذه الأجهزة عينات للمياه في شرورة. وبعد تحليلها في معامل الشركة في الرياض اتضح ارتفاع نسبة الكبريت فيها، كما أن درجة ملوحة المياه تصل إلى 650 ملم وفيها أتربة وشوائب. ونصح خبراء الشركة بنوع يقوم بمعالجة ثلاثية للمياه، كي تكون صالحة للشرب والاستخدامات المنزلية. المشكلة أن تصفية مياه الآبار من الأتربة والشوائب تستلزم تغيير الفلتر القطني كل 25 يوما، وليس كل شهرين كما تشير مواصفات صناعة الأجهزة. ودائما ما يواجهون انتقادات وعدم رضا الزبائن بسبب سرعة اتساخ الفلتر الأول بالأتربة والشوائب، وتغييره بسعر 20 ريالا كل شهر. ويشير خالد إلى أن نسبة ملوحة مياه آبار مركز الوديعة الحدودي أعلى بكثير من ملوحة آبار محافظة شرورة. وعندما يذهب المختصون في متجره لتركيب أجهزة تنقية لمنازل سكان مركز الوديعة يجدون دائما أن أنابيب المياه في المنازل منتهية الصلاحية بسبب ترسبات الأملاح والشوائب فيها.

3 مصادر للري

هناك ثلاثة مصادر لتوفير المياه اليومية اللازمة لنحو مئة ألف إنسان يعيشون في هذه المدينة الجافة، وجميعها تعتمد على آبار ارتوازية بعمق يتجاوز ألف متر في قلب الصحراء. لكنها مياه مالحة وعسرة وتشوبها الأتربة مما يجعلها غير صالحة للشرب، بل للاستعمالات المنزلية فقط. هذا الشح في توفير المياه الصالحة للشرب، أوجد سوقا واسعة لعبوات المياه المباعة في البقالات والمراكز التسويقية واعتمادها للشرب والطبخ في المنازل. معظم الأحياء السكنية في شرورة، باستثناء حي السلطانة والعزيزية، لا تتوفر لها بنية تحتية كاملة، وغير متصلة بشبكات مياه محلاة ونقية. الماء..الماءويتحدث الأهالي بحسرة عن أسباب توقف مشروع جلب المياه من قلب الربع الخالي الذي بدأه الأمير مشعل بن سعود الأمير السابق لمنطقة نجران في عام 1428هـ، وتخصيص مجموعة آبار منها لمحافظة شرورة وإنشاء محطة تنقية ثلاثية لتحلية وتعقيم المياه على مسافة لا تزيد على 10 كم منها على طريق الخرخير. لكن العمل لم يبدأ بهذه المحطة رغم اكتمال إنشاءاتها منذ 3 سنوات مضت. ويقول الأهالي إن سبب توقف المشروع جاء نتيجة مشكلة غير واضحة بين جهات حكومية لم تتمكن حتى اليوم من تجاوزها، على الرغم من عطش لسان شرورة وجفاف حلقها.

1 - المصدر الأول يكمن في الاعتماد على شراء المياه عن طريق الصهاريج المتنوعة الأحجام والأسعار، فيما يشير الناس إلى أن المنشآت الحكومية بما فيها مواقع القطاعات العسكرية ومساكنها، تتوفر لها آبار خاصة لتوفير المياه لأفرادها، وكذلك المستشفيان العام والعسكري تتوفر لكليهما محطات تنقية خاصة باحتياجاتهما. ومن اللافت في شوارع المحافظة، انتشار صهاريج مياه صغيرة الحجم تابعة لأربع محطات تنقية أهلية تتولى إيصال المياه الصالحة للشرب للمنازل وتعبئة الجوالين الفارغة سعة 20 لترا بريالين لكل جالون. وعلى الرغم من عدم قانونية عمل هذه المحطات ـ حسب تعليمات وزارة المياه والشركة الوطنية للمياه ـ إلا أنها تعد المصدر الثالث والرئيس للحصول على مياه نقية وصالحة للاستهلاك البشري.

2 - المصدر الثاني يكمن في لجوء معظم السكان الذين يعتمدون على مياه هذه الآبار المالحة، إلى تركيب أجهزة تنقية لمياه منازلهم من السوق المحلي. وبرغم غلاء نوعيات هذه الأجهزة إلا أنها الحل الوحيد والأقل كلفة للحصول على مياه محلاة قابلة للاستخدام البشري. وتحمل جمعية البر الخيرية على عاتقها توفير 50% من حاجات سكان شرورة للمياه عبر إشرافها على بئر ماء غزير لكنه غير صالح للشرب بسبب احتوائه على شوائب أتربة وأملاح كبريتية عالية التركيز. ويقول الأهالي إن هذه البئر ـ رغم ملوحة مياهها ـ شريان رئيس لاستمرار الحياة هنا. وعند تعطل مضخاتها ـ وهذا يحدث مرارا ـ يرتفع سعر صهريج المياه حمولة 12 طنا، إلى أربعة أضعاف من 50 ريالا إلى 200 ريال للصهريج الواحد. بالوقوف على موقع بئر الجمعية الخيرية كانت متعطلة، وخالية من الناس والصهاريج، ويقال إن عطلا أصابها منذ نحو شهرين ولم تتم صيانتها حتى الآن. الحديث عن مؤامرات تحاك ضد هذه المضخة الكهربائية شائع بين ألسنة الناس. وهم يتهمون عصابات الماء الذين يضعون قليلا من السكر في ماكينة المضخة لتتعطل ومن ثم تستفيد العصابة من رفع سعر الماء. لكن لا يقدم أي منهم دليلا واحدا على صحة روايتهم.

3 - المصدر الثالث للمياه يأتي من خمس آبار تابعة لبلدية محافظة شرورة، والتي لا يعمل منها الآن غير بئر واحدة فقط معروفة باسم (حي صوعان) لكنها كافية لتغطية نحو 30% من حاجة السكان. وتشهد مضخة البئر زحاما يوميا بسبب تعطل بئر الجمعية الخيرية، وحاجة الناس للمياه في شهر رمضان المبارك.

المطار يستقبل رحلتين يوميا ويغلق أبوابه التاسعة صباحا

مطار شرورة المحلي بكثافة التشجير فيه، يبدو كرئة خضراء في جسد المدينة الصغيرة التي يصفها الأهالي هنا بعروس الربع الخالي، أكبر منطقة صحراوية في العالم، لكنهم يكادون يجمعون في قول واحد على أن المطار بوضعه الحالي وبتقليص عدد الرحلات فيه منذ 3 سنوات، يكاد يكون قبضة ثقيلة تطبق الخناق على رقبة الحياة في شرورة، كون موقعها بعيدا جدا عن المدن الرئيسة، وخاصة الرياض التي تتوفر فيها المستشفيات التخصصية ومقرات الوزارات والجهات الحكومية. وبحسب شهادات الأهالي المتضررين فإن المشكلة مزدوجة مع السفر الجوي بين شرورة وأي مطار محلي أو خارجي، لأنهم لا يستطيعون ترتيب حجوزات العودة إلى مدينتهم من دون قضاء ساعات طويلة في مطاري الرياض وجدة في انتظار الرحلة الوحيدة التي تقلع فجرا، والتي لا تزيد سعتها عن 66 راكبا فقط عبر طائرات إمبراير الصغيرة، بمعدل خمسة أيام في الأسبوع، ورحلتين يومي الأربعاء والجمعة لطائرات الإيرباص 320 بسعة 120 مقعدا فقط. وهم يؤكدون أن المطار المحلي يغلق أبوابه في الغالب عند الساعة التاسعة صباح كل يوم، بعد أن يستقبل ويودع يوميا ركاب رحلتين يتيمتين لطائرتين صغيرتين من وإلى الرياض وجدة، ويتمنون أن يعاد النظر في عدد الرحلات، والتفكير بزيادة الوجهات وتوسيع دائرتها، خصوصا أن شرورة يقيم فيها الآلاف من المواطنين العاملين فيها من خارج المحافظة، وهم يحتاجون وعائلاتهم إلى جداول وبرامج لرحلات طيران مرنة تراعي ظروفهم، وعدم توفر بدائل أخرى باستثناء التنقل عبر شبكة الطرق البرية، وهو خيار شاق ومتعب. وللتقريب فإن مدينة نجران تبعد 350 كلم، والرياض 800 كلم، وجازان وبقية مدن المنطقة الجنوبية لا تقل عن 700 كلم..وتلك قصة أخرى.

شموع تواجه انقطاع الكهرباء صيفا

قبل أيام من دخول شهر رمضان المبارك انقطع التيار الكهربائي لمدة 20 ساعة متواصلة على معظم الأحياء السكنية في محافظة شرورة. تكرار حالات انقطاع التيار الكهربائي خصوصا في فصل الصيف جعل الأهالي يقبلون على تخزين عبوات من الشموع لمواجهة هذه المشكلة. وخلال اللقاءات في مجالس الأهالي والمنتديات الشبابية كان السؤال يدور دوما حول مصير المشروع الأخير لشركة الكهرباء الذي كلف خزينة الدولة نحو 350 مليون ريال لتعزيز قدرات الطاقة الكهربائية للمحافظة.