الرأي

حواء والعسكري

دبس الرمان

هبة قاضي
(يا الله يا حجة قومي)، استمر أحد المحتسبين في الحرم في تكرار هذه الجملة في محاولة منه لدفع النساء للتزحزح عن مكان جلوسهن وصلاتهن في صحن الحرم. كان فظا غليظ القلب مما حدا بالنساء لتجاهله والاعتراض في وجهه، ليتجه مستنجدا بأحد العساكر الذي تعامل بالحسنى مما حدا بهن لتغيير أماكنهن. طلبت مني الوالدة أن أتوجه له بالشكر بسبب أسلوبه الراقي فتوجهت إليه وقلت له (الله يعطيك العافية على أسلوبك الطيب مع زوار بيت الله)، ورغم علمي ببساطته وتواضع تعليمه إلا أن رده لم يكن أبدا شيئا يمكن توقعه. قال لي العسكري بابتسامة تهكمية (والله إنتو الحريم الله بس القادر عليكم، مو كفاية إنتو اللي طلعتو آدم من الجنة)، لم أشأ أن أطيل الكلام معه فاكتفيت بسماع هذا الجواب الصادم ثم التفت عائدة. كانت خطواتي تتابع وأنا أعيد التفكير فيما قاله العسكري وفي ذلك التناقض الشديد بين تصرفاته وأفكاره ومعتقداته. لأجد نفسي فجأة أغير اتجاهي عائدة إليه ومفاجأته وأنا أقول له (أنا بس حبيت أقولك إنو القرآن ذكر في قصة خروج آدم وحواء من الجنة أن الشيطان غرر بهما هما الاثنين مع بعضهما) ثم ذكرت له الآية (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)، وأن الاعتقاد بأن حواء هي التي أوحت لآدم بالأكل من الشجرة المحرمة هو فكر نصراني تم تمريره لنا من العصور القديمة عن طريق المعتقدات والخرافات، ولا علاقة له لا بالدين ولا بالعلم. وقف العسكري ينظر إلي مشدوها ثم قال بعد صمت قصير (والله العلم نور) فابتسمت برضا والتفت مغادرة. لأسمعه بعد أن أدرت ظهري له وبدأت المشي يقول لنفسه بصوت عال (والله هذول الحريم يجي منهم)! تراه كم يزخر تاريخنا بالخرافات والمعتقدات المحرفة عن المرأة وذنبها الأبدي وكيدها العظيم؟ وكم منا ما زال يستخدمها ويؤمن بها بدون مساءلة أو تفحص أو إدراك حتى الآن. فما بين ذنب حواء عليها السلام المزعوم، وعبارة العزيز في كيد زوجته التي قصها الله عنه، وجهلنا عبر قرون في نسب قولها إلى الله تعالى كدليل قاطع على شر المرأة المستطير، ظلمت نساء وحطمت أخريات. والأدهى كيف لامرأة أن تطالب بحق أو تدفع عن نفسها ظلما وقد صدقت في داخلها أنها موصومة بمثل هذا الإثم! heba.q@makkahnp.com