الملتجئ إلى حرم الله
لاسم محمد بن يعقوب المعروف بمجد الدين الفيروزآبادي مكانة تغور في وجداني، وليس لتلك المكانة صلة بدرس اللغة العربية ومعجماتها، إنما سببها أن اسمه التصق بذاكرتي،
الثلاثاء / 18 / رمضان / 1435 هـ - 23:00 - الثلاثاء 15 يوليو 2014 23:00
لاسم محمد بن يعقوب المعروف بمجد الدين الفيروزآبادي مكانة تغور في وجداني، وليس لتلك المكانة صلة بدرس اللغة العربية ومعجماتها، إنما سببها أن اسمه التصق بذاكرتي، في سنوات النشأة والتكوين، والفضل في ذلك لمسلسلات التلفاز لا الكتاب، وأحسب أن أول معجم يعلق عنوانه في ذاكرتي، وربما ذاكرة غيري من القراء، هو معجمه الباذخ المشهور «القاموس المحيط»، ويكفي أن بلغ هذا المعجم مكانة سامقة في تاريخ الثقافة العربية، أن جعل لفظ «القاموس» مرادفًا لكلمة «المعجم» ومزاحمًا لها، حتى رضي علماء ومؤلفون اسم «القاموس» عنوانا لما وضعوه من آثار، فالزركلي يجعل كتابه الباذخ «الأعلام» قاموسا لتراجم مشاهير الرجال والنساء، وعلى ذلك البعلبكي في معجمه «المورد»، وما أراد الفيروزآبادي من كلمة «القاموس» إلا أن يدل على سعة كتابه، حتى شبهه بالبحر، وهذا معنى كلمة «القاموس». قصد الفيروزآبادي مكة المكرمة، ونزل ببطحائها، وطاب له الجوار، واتصل بملوك بني رسول في اليمن، وأنزلوه منهم منزلة سنية، وأكرموا وفادته، لكن قلبه متعلق بحرم الله الآمن، فاعتاد، حينا بعد حين، أن يغشى مكة المكرمة، فيقضي فيها مددا مختلفة، ويسيح، بعدها، في أرض الله الواسعة، ثم يعود إلى اليمن، ويشده الشوق إلى حرم الله الآمن، فيشد الرحال إليه مولها دنفا، ويجول في الحجاز، ثم يرتد إلى مكة المكرمة، ويأوي إلى بيته في الصفا، بإزاء الكعبة المشرفة، ويمده الرسوليون بالمال، فينشئ في «رباط السدرة»، المجاور لمنزله بالصفا، مدرسة يعلم فيها الناس، ويود أن يصل ما بينه وبين تلك الأمكنة المنيفة، فيتخذ لنفسه لقبا طالما كرره في كتبه، فيدعو نفسه «الملتجئ إلى حرم الله»، ويكرمه الله فيتم قاموسه المحيط في بيته على الصفا بمكة المشرفة، ويثبت ذلك في آخر صفحة من معجمه الذي بارك الله فيه، فانتفع به الناس. يذكر المؤرخون الذين ترجموا له، أن المجد الفيروزآبادي كان يمني النفس باتخاذ مكة المكرمة دارا وقرارا، وكان يدعو الله، تبارك وتعالى، أن يجعل وفاته فيها، ولكن أمنيته العزيزة تلك لم يقدرها الله له، فمات بعيدا من حرم الله الذي التجأ إليه.
bafaqih.h@makkahnp.com