زحمة عشر سنوات

تقدم لإحدى جامعاتنا الإقليمية هذا العام ثلاثون ألف طالب وطالبة، وذكر الخبر أن استيعاب الجامعة لا يزيد عن تسعة عشر ألفا ومئتي مقعد فقط. (الرياض 7 /9 /1435هـ).

تقدم لإحدى جامعاتنا الإقليمية هذا العام ثلاثون ألف طالب وطالبة، وذكر الخبر أن استيعاب الجامعة لا يزيد عن تسعة عشر ألفا ومئتي مقعد فقط. (الرياض 7 /9 /1435هـ). وإذا علمنا أن لدينا أكثر من خمسين جامعة حكومية، وأهلية، وكليات جامعية متخصصة، وعددا من المعاهد الفنية، والكليات العسكرية، وكلها مفتوحة الأبواب للطلاب، وأكثر من مئة وخمسين ألف مبتعث ومبتعثة في الخارج، هذا العدد الكبير من الطلاب الذين في سن الدراسة اليوم وطلب العمل والوظيفة غدا، يثير أكثر من قضية، ويحتاج إلى أكثر من سؤال ويضيف عبئا ثقيلا على مستقبل النمو الاقتصادي والنمو السكاني وحتى النمو الاجتماعي. ويضيف أعباء كبيرة على مستقبل المجتمع كله. أول نقطة نريد أن نناقشها ونقيس عليها هي هذه القفزة الهائلة في أعداد الطلاب في كل مراحل التعليم في زمن قصير من أعمار الشعوب، فقبل عشر سنوات لم يكن عندنا إلا سبع جامعات وكانت تستوعب كل الخريجين من التعليم العام، ولم يكن هناك شح في المقاعد المعدة، واليوم تضيق خمسون جامعة وكلية جامعية مع التعليم الفني والمبتعثين عن أعداد الخريجين من التعليم العام، إنها طفرة سكانية هائلة ستواجه مشاكل جمة ليس في مقاعد الدراسة فحسب بل في شؤون كثيرة، مثل الإسكان وفرص العمل التي لن تكون ميسرة ولا سهلة في المستقبل، وكذلك الخدمات الاجتماعية الأخرى التي ستواجه ضغطا أشد مما تواجهه الجامعات، فمقاعد الدراسة يمكن حلها في أكثر من طريق ويمكن تأجيلها ويمكن الانصراف عنها أيضا إذا لم تتيسر الأمور إليها، وقل مثل ذلك عن أزمة السكن فقد يجد الشباب مكانا للإيجار وقد يسكنون مع أهلهم وقد يبقى الشباب عزابا ولا يحتاجون إلى زحمة السكن ولا تكاليفه الكبيرة ويعرضون عن الزواج الذي يسبب لهم الصداع من أجل البحث عن سكن كل ذلك ممكن، ولكن تبقى خدمة واحدة لا يمكن تأجيلها ولا التأخير فيها تلك هي المستشفيات، فأعداد المرضى تزداد بوتيرة أسرع بكثير من أعداد طلاب الجامعات، وأكثر بعشرات المرات من أعداد الباحثين عن عمل وأكثر بأضعاف مضاعفة من الباحثين عن سكن، والأهم من كل ذلك أن المرض لا يقبل التسويف ولا التأخير في علاجه وإلا كانت الكارثة أكبر من كل ما نتصوره وأكبر من كل ما نقدره. ذكرت نموذجا واحدا للطفرة في أعداد الطلاب خلال عشر سنوات والغرض هو القياس على هذه الحالة في كل الخدمات التي يحتاجها المجتمع في مستقبله، فإذا كانت عشر سنوات مضت أحدثت هذه الزحمة الهائلة، فكيف بزحمة عشرين سنة قادمة، وكيف نواجه المستقبل المزدحم في الحاجات والمطالب والطفرة السكانية التي لم يسبق لها مثيل، ونحن لا نحرك ساكنا ولا نثير مشكلة، وكأن المستقبل لا يعني أحدا من الناس هنا، والغريب أنك لا تشعر أن المسؤولين عن التخطيط للمستقبل ووضع السياسات الاجتماعية والاقتصادية والصحية قلقون كما نقلق نحن مما سيحدث، بل يظهر من بعض تصريحاتهم وكلماتهم التفاؤل المفرط فيما تأتي به الأيام وهذا الاطمئنان لديهم لا بد أن له أسبابه التي لا ندركها نحن العامة، فهل يتكرم المسؤولون عن تخطيط المستقبل الذي نرجوه ونؤمله للأجيال القادمة فيشرحوا لنا ما هم فاعلون لنطمئن ونقول إن مستقبل الأجيال في أيد أمينة، ذلك ما نرجوه وذلك ما نؤمله.