الأناشيد والشيلات والأغاني!
الجمعة / 27 / محرم / 1438 هـ - 18:00 - الجمعة 28 أكتوبر 2016 18:00
بالفنون على اختلافها تحيا المجتمعات، فهي نتاج ثقافة وإبداع مستحسن من أبناء المجتمع الواحد، فالفن يؤطر بما يستحسنه المجتمع، ويظل قابلا للتطور على امتداد العصور، وكل التطويرات هي تحسينات استحسنها أبناء المجتمع في تلك المرحلة. وتظل التحسينات تتراكم حتى يبلغ الفن مرحلة نضوج تقل فيها التحسينات، وقوة نفوذ المجتمع وجماليات فنونه هي محددات لحياة الفن وانتشاره.
على مستوى بلادنا فإن الفنون متعددة ومتباينة من منطقة لأخرى، تستمد حضورها من الفلكلور، فبعضها اندثر، وبعضها ما يزال حيا، لكن على مستوى الفن الغنائي فقد استطاع صناع الأغنية السعودية جمع شتاتها، وتوحيد لهجاتها، حتى بلغت مرحلة المنافسة عربيا، وربما تجاوزت في بعض حالاتها.
كانت الأغنية السعودية رائجة رواجا كبيرا، ثم انحسرت منذ المد الصحوي، فقامت الأناشيد بديلا إسلاميا عن الأغاني، لكن الحس الفني والحاجة الاجتماعية للغناء جعلت الأناشيد تقترب من الأغنية، فوقف المشايخ في طريقها، لتظهر بعدها الأناشيد الشعبية، واستمرت تناقش قضايا مجتمعية ووعظية، لكن المنشدين الشعبيين اقتحموا فضاء الأغنية حتى أنشدوا أغاني كبار المطربين دون موسيقى، رغم المؤثرات التي تكاد أن تكون موسيقى لولا (نشازها)، ثم سمعنا بمطربات يقمن دعاوى على بعض المنشدين المتصرفين في ألحان أغانيهن، ولكن رحلتها كانت قصيرة جدا، لذلك تلاشت تحت صخب الفن الجديد (الشيلات)، الفن الشعبي الذي يمزج بين الأناشيد والأغاني، فيشبه الأناشيد بمحاولة التخلص من الموسيقى، لكن الإيقاعات والمؤثرات تدخله في فضاء الأغنية، فقد استدنت الإيقاعات (الرقص)، وهذا ما لم يحدث في الأناشيد.
ربما يكون (تحريم) الأغنية بعد المد الصحوي هو الحائط الذي ترتطم به رغبات المجتمع الفنية، فتتفرق في قنوات تبحث عن متنفس يخفف حدة الحرمة، فيبتدعون فنونا تعبر عنهم، لكن الأغنية هي (المثل الأعلى) لتلك التعابير، لذلك نجد معظم الفنون المبتدعة تحوم بالقرب من فضاء الأغنية وتتماس معها، ثم تسقط، فيبتدع المجتمع قناة أخرى إلى تلك السماء المشتهاة من الفن الراقي، وهذه الإرهاصات جميعها هي طريق إحياء (الأغنية السعودية) وإعادتها إلى مدارها من جديد، وهي مرحلة باتت قاب قوسين أو أدنى من التحقق.
حين ينظر البعض إلى الشيلات باعتبارها (فنا هابطا)، فإنهم يجحفون بحق هذا الفن، فلا يمكن الحكم على أي فن بمثل هذا الحكم ما دمنا لا نحاكمه إلى جنسه، أي أن تكون لدينا (الشيلات النموذج) نحاكم إليها الشيلات الأخرى، فنحكم برقيها أو هبوطها، أما مقارنتها بالأغاني فهي ظلم لا يصح في نظري؛ لاختلافهما، ومن هنا لا بد أن نبتعد عن الأحكام التعميمية، وأن نضع معايير لهذا الفن يحتكم إليه محبوه وشانئوه.
إن عدنا إلى تاريخ الأغنية السعودية فسنجد خطابها القديم يشوهه بعض الإسفاف في انتقاء النصوص، فقد كان كثير من أغاني الفنانين الشعبيين خاصة تغص (بالمجون والفحش)، لكنها ترقت حتى بلغت مكانة مرموقة من الأناقة والجمال، وهذا ما يجب أن يتنبه إليه صناع الشيلات، فلا بد من اختيار النصوص الراقية التي تناسب روح هذا الفن (الحماسي) في غالبه، والبعد عن إسفاف بعض الشعراء الشعبيين الراتعين في العنتريات الكاذبة والعنصريات القبيحة. وربما أتوقف في مقالة أخرى عند بعض خطابات الإبداع الشعبي، والسلام.
alhelali.a@makkahnp.com