الهيئة العامة للاستثمار وورطة الاستثمار الأجنبي
كنت قد تناولت في مقال سابق حاجة اقتصادنا الوطني الماسة للمستثمرين الأجانب من ذوي التقنيات والخبرات المتقدمة، والتي يمكن لها أن تتكامل مع الكوادر الوطنية
الجمعة / 14 / رمضان / 1435 هـ - 23:00 - الجمعة 11 يوليو 2014 23:00
كنت قد تناولت في مقال سابق حاجة اقتصادنا الوطني الماسة للمستثمرين الأجانب من ذوي التقنيات والخبرات المتقدمة، والتي يمكن لها أن تتكامل مع الكوادر الوطنية المتميزة لإحداث النقلة المعرفية. تبع مقالي مقالين للكاتب الاقتصادي عبدالحميد العمري بجريدة الاقتصادية تحدث فيهما عن نشوء ورطة لدى الهيئة العامة للاستثمار اختصارها أن ما تم استقطابه من استثمارات أجنبية أخذت من مواردنا أكثر مما أعطت لاقتصادنا، وأن 85% منها تركزت في قطاع الصناعات الأساسية والمعتمدة بشكل كبير على مواد اللقيم “الخام” منخفضة القيمة. أضف إلى ذلك أن الأرقام الواردة في تقرير أونكتاد (unctad) عن عام 2014 تظهر وجود انخفاض مستمر في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة (FDI inflows)للمملكة، حيث تراجعت من مستوى 39، 456 مليار دولار في عام 2008 إلى 9، 298مليار دولار في عام 2013 لتمثل بذلك ما نسبته2.1% فقط من إجمالي التدفقات الداخلة لقارة آسيا والتي بلغت 426، 355 مليار دولار واستحوذت على نصيب الأسد، بما يعادل 30% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة. يبدو أن المزايا التي تقدمها الهيئة العامة للاستثمار فضلا عن متانة الاقتصاد الوطني لم تعد حوافز كافية لإقناع معظم المستثمرين الأجانب - وخاصة ذوي التقنيات المتقدمة - للقدوم، فالمؤشرات المذكورة بالأعلى تلوح بأعلام حمراء تستدعي سرعة الاستجابة بإعادة النظر بالملفات والبحث في الأسباب التي تقف وراءها. إن تجاهل تلك المشكلات قد يتسبب في تدهور استثمارات وطنية طائلة أنفقتها الدولة لأجل تنمية الإنسان والصناعة المحلية. قد تتفوق باقة المزايا الوطنية المعدة للمستثمرين الأجانب في عدد من الجوانب، وبالطبع لا توجد أي شكوك حول صلابة الاقتصاد الوطني واستقراره، لكن هل ما تم تقديمه من فرص استثمارية وحوافز هو فعلا ما تبحث عنه عيون الشركات العملاقة؟ أو بصياغة أخرى، هل بالخارطة العالمية قوى جذب أكثر فاعلية لدى اقتصادات وأسواق أخرى نظيرة تصرف نظر أولئك العمالقة إليها دون غيرها ولا تبقي لنا سوى الفتات؟ وإن كان الجواب بنعم، فما هي؟ ستتطلب الإجابة على هذا السؤال عدة مقالات، فمتابعة أحداث وتطورات التجارة الدولية تكشف عن أنماط ومنعطفات عديدة لمسارات القوى الاقتصادية العالمية. فحينما كانت الاقتصادات المتقدمة كأوروبا وشمال أمريكا تصدر استثماراتها للاقتصادات الناشئة كالصين والهند بحثا عن الأيدي العاملة الرخيصة، أصبحت الأخيرتان اليوم تقومان بتوجيه بعضهما من استثماراتهما نحو الاقتصادات المتقدمة لاستغلال مزايا المعرفة والعقول المتطورة. إن تلك التغيرات وغيرها تقص عن وجود لاعبين كبار يعرفون جيدا عن ماذا يبحثون ولماذا، ويضعون على ضوئها خياراتهم الاستثمارية. أيضا، تكشف القصة عن وجود اقتصادات وأسواق دولية ناشئة ومنافسة، تستطيع أن تلعب دورا مؤثرا في لفت الأنظار إليها واستقطاب النخبة من الاستثمارات الواعدة. يعتمد نجاح مبادرات جذب المستثمرين الأجانب على الإلمام الشامل بما في جعبة حقيبة التجارة الدولية من دروس قيمة يمكن استغلالها في إعادة تشكيل الفرص الاستثمارية الوطنية من منطلق متطلبات الأسواق العالمية. وبتبني ذلك المنظور يمكن طرح إجابة شاملة لكن مختصرة في “عبارة واحدة” تقول: يبحث المستثمرون المتميزون عن فرص استثمارية تمكنهم من بناء مزايا تنافسية – إما اختلاف بالسلعة أو بالسعر أو بكليهما - تستجيب بشكل فريد لمتطلبات الأسواق المستهدفة. تحت مظلة تلك العبارة، يبدأ البحث المفصل أولا بالسؤال عن ماهية تلك الأسواق المستهدفة وماهية متطلباتها؟ ثم يتبع ذلك سؤال مفصل عن ماهية الفرص التي تستجيب - بالشكل الأمثل- لمتطلبات تلك الأسواق وكيف يمكن إعدادها في باقات من الحوافز الوطنية تضاهي ما لدى المنافسين من الاقتصادات الناشئة. للمقال بقية..