فقه داعش التراثي.. والعلم سيفكك التراث
لكل جديد أصل قديم انبثق منه، قد يكون هذا الأصل متينا لما يكفي حينما يكون صحيحا من أجل الركم عليه فيتضخم مع مرور الوقت ويصبح من الصلابة والمتانة ما يجعله محور قوة جاذبا، وقد يكون الأصل ضعيفا حينما يكون قوامه مترنحا بين الصح والخطأ ويدعو مع الوقت إلى تقويم وإصلاح جديد لا ينتهي بتغيير هوية الأصل كليا. وانبثاق الجديد من الأصل سائر في شتى نواحي الحياة ويسير على الفكر والعلوم أيضا، إلا أن العلم المعرفي أكثر وضوحا في تسلسله حتى نتيجة جديدة من أصوله التاريخية، لشغف العلماء في الوقوف على آخر الجديد ونقده واختباره، وما إن يتولد علم جديد إلا واستحضر تراثه التسلسلي القديم «لإثبات النسب» حتى لا يضيع أو ينتكص الحاضر للبحث عنه في زمن الماضي، ومن أجل التأكد من عدم وجود فجوة علمية قد تعيق مسار الفكر أو تكون كالكهف ترمى إليه أسباب الضلال التي تعيق الوصول إلى النور.
الاحد / 19 / ربيع الثاني / 1436 هـ - 18:00 - الاحد 8 فبراير 2015 18:00
لكل جديد أصل قديم انبثق منه، قد يكون هذا الأصل متينا لما يكفي حينما يكون صحيحا من أجل الركم عليه فيتضخم مع مرور الوقت ويصبح من الصلابة والمتانة ما يجعله محور قوة جاذبا، وقد يكون الأصل ضعيفا حينما يكون قوامه مترنحا بين الصح والخطأ ويدعو مع الوقت إلى تقويم وإصلاح جديد لا ينتهي بتغيير هوية الأصل كليا. وانبثاق الجديد من الأصل سائر في شتى نواحي الحياة ويسير على الفكر والعلوم أيضا، إلا أن العلم المعرفي أكثر وضوحا في تسلسله حتى نتيجة جديدة من أصوله التاريخية، لشغف العلماء في الوقوف على آخر الجديد ونقده واختباره، وما إن يتولد علم جديد إلا واستحضر تراثه التسلسلي القديم «لإثبات النسب» حتى لا يضيع أو ينتكص الحاضر للبحث عنه في زمن الماضي، ومن أجل التأكد من عدم وجود فجوة علمية قد تعيق مسار الفكر أو تكون كالكهف ترمى إليه أسباب الضلال التي تعيق الوصول إلى النور. والإسلام ما جاء إلا تأكيدا على أنه دين العلم، لأنه الرهان لبناء وعمارة الأرض، وليس المجال هنا لمناقشة هذا إنما لتبيان أن ما تعاني منه الأمة الإسلامية اليوم من ظهور قيح التراث الديني متمثلا في الأحزاب الدينية المتطرفة ليس إلا بسبب وقوف الفقه الديني في محطة زمنية ضيعته، وسببت فجوة علمية أعاقت مسار عجلة التجديد الفقهي المبني على فكرة العلم ذاتها: استحضار التاريخ السابق كاستحضار الدراسات السابقة في البحث العلمي، ثم استعراض ظروف تكوين نتائجها، وبعد ذلك التمهيد لعمل فكرة أو فرضية بمقاييس يراهن على صحتها ثم البدء بتوليد فكر فقهي إسلامي تتفق معاييره مع الأساس لرسالة الإسلام في إحلال السلام على الأرض وعمارتها، تماما مثل الشروط الواجب توفرها في تقديم المقترح العلمي الجديد المرشح لولادة إضافة علمية جديدة، وهي أن لا يضر بالبشرية وألا يكون سلبيا وأن يضيف للقيم السابقة. فقه الجماعات المتطرفة ليس إلا إعادة تجسيد لنتائج آخر اجتهاد فقهي في التاريخ الإسلامي في حقب من التاريخ ملأتها ظروف يمكن اعتبارها مقاييس اتخذ منها فقهاء ذلك العصر تبريرا لتوظيف الدموية وخراب الأرض بسبب التناحر على السلطة والخلافة، إلا أن نتائج الخراب والتدمير وسفك الدماء لم تعد نتائج مثمرة لردع عدو أو نهضة أمة في عصر التقدم العلمي والحروب البيولوجية والثورة التكنولوجية. التخلف الحضاري الذي يعود على الأمة في كل مرة من إعادة تطبيق «نتائج» دراسات فقه العصور العباسية والأموية وغيرها من الأمم البائدة، تحتاج من العلماء الكسالى في العصر الحديث إلى همة من أجل البناء الجديد عليها كاجتهادات فقهية سابقة ومن ثم تمهد إلى نهضة فقهية إسلامية «تعليمية منهجية». جرائم داعش والميليشيات الشيعية وغيرها تستقي استدلالها من التراث الفقهي الشاذ في ظروف نشأته في السجون والمنفى وتحت التعذيب وفي الحروب الدموية. والكسل الحاصل في مجال العلم الشرعي لا بد من نفضه فهو يعاني أحد الأمرين: إما اكتفاء علمائه بآخر الاجتهادات الفقهية التي أسسها الفقهاء السابقون في عصور ما قبل عصرنا مع تجاهلهم وعدم إلمامهم بمقاييس ومسببات وظروف الإنتاج الفقهي في تلك الحقبة الزمنية، أو أنهم لا يملكون من العقول الفكرية ما يكفي للإنتاج الفقهي الجديد. فللإسلام وجه مشرق يختطف منا كمسلمين أمام العالم بأسره من قبل هذه العصابات الشاذة وهو ما سنحاسب عليه أمام الله لأننا أتباع هذا الدين العظيم وقد من الله علينا بملكات كثيرة تجعلنا قادرين على الدفاع عن الإسلام واستعادته من خاطفيه. كل ما بعد القرآن والسنة النبوية يمكن إلغاؤه إن كان اجتهادا خاطئا لم يصح مناسبته للبشرية وإن كان اجتهادا من الصحابة أنفسهم، فلا قداسة لنص إلا للقرآن الكريم وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاليهود قدسوا فقه التلمود وما كتبه الفقهاء اليهود فيه وتركوا التوراة وهي الأصل، كما أن ضلال المسيحيين جاء حينما قدسوا اللاهوت وغيره من التفسيرات الفقهية المسيحية وتركوا الإنجيل الأصل، والمتطرفون المسلمون وجميع تفرعاتهم المذهبية اليوم لم تنشأ إلا بعدما تركوا وحدتهم بالقرآن وتفرقوا مع تأويلات الفقهاء إلى أمم متناحرة لن يلتم شملها إلا بعد قدرة الله ثم استدراكهم بأن المجتهد الفقهي ومؤسس المذهب لا يزيد بعقله عن أي شخص آخر ولا يمتلك قداسة تجعل تأويله لنص القرآن الأساس أو الحديث الشريف قطعا لا يقبل الرفض. بعض الفقهاء في التاريخ الإسلامي تعارضوا في طرقهم العلمية مع المنهج العلمي في موضوعية طرح التفسير والاجتهاد، ما ترك وبالا على الأمة من الفقه المتطرف يحتاج إلى تفكيك علمي ومع ذلك يحتاج الفقه الإسلامي أن يتجدد لكي يحتضن أبناء أمته تحت مظلة التوحيد.