أبشع عمل بشري

يعمل طبيبا في أحد المستشفيات، ويعيش حياة مقننة الاختلاط بالزملاء، ويتبنى فكرا متشددا على نفسه وأسرته، ويحاول تطبيق ذلك في عمله، فالمريض المسلم عنده أهم بكثير من مرضى الديانات الأخرى، وحين يعالج كافرا، فإنه يشعر بأن ذلك تفضلا منه على من لا يستحقه!.

يعمل طبيبا في أحد المستشفيات، ويعيش حياة مقننة الاختلاط بالزملاء، ويتبنى فكرا متشددا على نفسه وأسرته، ويحاول تطبيق ذلك في عمله، فالمريض المسلم عنده أهم بكثير من مرضى الديانات الأخرى، وحين يعالج كافرا، فإنه يشعر بأن ذلك تفضلا منه على من لا يستحقه!. حاقد على كل ما هو غير إسلامي، ينكر حضارات الأمم الأخرى، ويؤكد بأنها سرقت منا، ويعاقر فكرة المؤامرات، ويبرر الأمور الواضحة الجلاء بالغيب والخيانة والغدر، ويوالي في مشاعره وأقواله أفعال الإرهابيين، ويدافع عن أفكارهم بيقين أن ما يفعلونه هو الإسلام الحق. منافح بأن أخطاء الإرهابيين ليست إلا دعايات كاذبة مغرضة من قبل الكفار لم تحدث، وأن أفعال الدواعش أصيلة وتعتبر رد فعل مناسبا منهم على ما يحدث للمسلمين، وأن نهج الإسلام منصوص عليه بالجهاد وقتل الكفار وسلب نسائهم وأطفالهم، وهو عقوبة دنيوية تسبق عقوبة الآخرة. صارحته بأن ما يحدث منه متضاربا مع قدر ثقافته، وأن حيرته النفسية عظيمة. فضحك ساخرا: انظر حولك في مجتمعنا واحكم، فأغلبية مثقفينا يمتلكون نفس الفكر، وإن كانوا يداهنون بالتقية، فهم مثلي درسوه في عنفوان شبابهم، وتشربوه في مساجدهم، وفريضة الجهاد قائمة إلى يوم الدين، فلا ينكرها إلا كافر؛ فكيف تريد أن نأتي على كبر، ونبدل مبادئنا وولاءنا، وبراءنا من كل عميل مؤيد للكفار، وتكفيرنا لكل من يضر بمسلم، وتأييدنا لكل ذبح وسلب وسبي وامتلاك للأنفس الكافرة؟!. نظرت إليه بدهشة وسألته عن مدى رضاه عن عمل زميلاته من النساء بقربه، فحدد بثقة: من يدعين الإسلام منهن يستتبن، والكافرات يعتبرن سبايا!. وأسهب: هذا هو جزاء الظالمين، وهذا قدرنا كمسلمين أن نكون محاربين من أبعد الناس، ومن أقربهم إلينا، فحكم علينا أن نجاري، ونداهن، ونصمت، ولكننا بقلوبنا نتحين اللحظة التي تنطلق فيها أيادينا لننشر الإسلام بالسيف، كما كان سابقا، وكما سيستمر. نظرت إليه نظرة حيرة، فأدار وجهه عني، وقال: أعرف ما ستقوله عن الرحمة والإنسانية، وعن المعالجة دون النظر للدين، ولكن ذلك كلام جاهل جرعنا إياه الغرب، لتهين عزائمنا، ويضعف ديننا، وقد لا نحتاج لمن يفتي لنا، فنحن على قدر من العلم يسمح لنا بالبحث والتفكر في الآيات بأنفسنا، ولنا القدرة على فهم الأحاديث، بالطريقة التي تتناسق مع حياتنا الزائلة، والتي أمرنا خلالها أن نرفع راية الإسلام عالية، وأن نرهب عدو الله، ونقيم فريضة الجهاد. حقيقة لقد شعرت بالأسى، على مثقفي مجتمع حطمه العنف، وجعله رهين فكرة المؤامرة، ورسخ في داخله العداوة لكل البشر. قابلته بالأمس، وكان منتشيا، فسألته عن رأيه في حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، فصرخ بجفوة: شفاء للصدور، هل تعلم ماذا فعل بهم؟!. فوليت عنه، وهو يكمل تبريره لأبشع عمل بشري، وأنا ألملم كياني المقشعر بقدر ما رأيته من تفحم بالعقل والمشاعر.