همسات رمضانية
يطل شهر رمضان على المسلمين كل عام، وتفوح مع إطلالته نسائم التسامح والأجواء الإيمانية الكامنة في نفوسهم.. تتغير أنماط حياتهم وترق معه قلوبهم ومشاعرهم، وهي حالة سنوية فريدة يعيشها المسلمون تستدعي الوقوف عليها وتأملها كثيراً، مع أمنياتنا باطرادها طوال أوقات العام. وعندما نتأمل ونشاهد الكتابات المتعددة التي تناولت هذه الحالة ونقرؤها، نجدها لا تخلو من البساطة في الطرح والدراسة، لا لسبب إلا لأننا تعودنا وألفنا رمضان والصيام، وأصبح قريباً للعادة من العبادة عند بعضنا.
الخميس / 13 / رمضان / 1435 هـ - 23:00 - الخميس 10 يوليو 2014 23:00
يطل شهر رمضان على المسلمين كل عام، وتفوح مع إطلالته نسائم التسامح والأجواء الإيمانية الكامنة في نفوسهم.. تتغير أنماط حياتهم وترق معه قلوبهم ومشاعرهم، وهي حالة سنوية فريدة يعيشها المسلمون تستدعي الوقوف عليها وتأملها كثيراً، مع أمنياتنا باطرادها طوال أوقات العام. وعندما نتأمل ونشاهد الكتابات المتعددة التي تناولت هذه الحالة ونقرؤها، نجدها لا تخلو من البساطة في الطرح والدراسة، لا لسبب إلا لأننا تعودنا وألفنا رمضان والصيام، وأصبح قريباً للعادة من العبادة عند بعضنا. ولا أزعم أنني سأضيف جديدا للقارئ بقدر ما أطمح لفتح الباب أمام المتأملين من الباحثين والدارسين كي يقفوا عند هذه الظاهرة الفريدة من نوعها، والتي بين عشية وضحاها تقلب حال المسلمين رأسا على عقب في كل شؤون حياتهم اليومية. ثلاثون يوماً يعيشها المسلم يُغيّر فيها نظامه الغذائي والروحي كفيلة بأن يتغير معها سلوكه وأخلاقياته. ثلاثون يوماً يقرأ فيها المسلم كتاب ربه ويستمع إليه من أعذب أصوات المرتلين كفيلة بأن تجعله يتدبر تلك الأوامر والنواهي الربانية التي جاءت في كتاب الله جل وعلا. ثلاثون يوماً يدعو فيها المسلم ربه ليل نهار يسأله فيها ما يقربه منه ومن جنته، وما يبعده عن ناره وعقوبته، كفيلة بلا شك أن تفتح بينه وبين السماء باباً يبث منه شكواه إلى ربه، وتعلمه اللجوء إليه والهروب إليه. رمضان في أعين الراغبين في تغيير حياتهم نحو الأفضل هو بوابة حقيقية نحو التغيير والتطوير. فلقد أثبتت الدراسات أن المدة الزمنية التي يمكن فيها تغيير العادات أو تثبيتها لا تتجاوز الأسابيع الثلاثة، فكل من أراد أن يتخلى عن عادة سيئة أو خلق عادة حسنة في حياته فشهر كامل حريٌ أن يفعل له ذلك، ولذلك الكل لا يستغرب ولا يتعجب وجود حالة من التغيير الجمعي لدى الكثير من الصائمين الذين استغلوا أيام رمضان فيما ينفعهم. والكلّ يعلم أن هذا الشهر ليس كباقي شهور العام، فالأزمنة قد فضّل الله بعضها على بعض، فكما أن يوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع، وأيام عشر ذي الحجة هي أفضل أيام العام، فإن هذا الشهر هو أفضل شهور السنة بأكملها. والأفضلية كما هي موجودة في الأزمنة فإنها موجودة في الأمكنة. والمسلم حينما يستشعر فضل زمان هذا الشهر على سائر الأزمنة هو يدرك بكل تأكيد أن الذي فضّله هو رب العزة والجلال، ويعلم أن هذه الأفضلية لم تأتِ عبثاً ولم تكن اعتباطا، بل هي تحمل في طياتها الكثير من الحكمة والنفع العميم للمسلمين..عَلِمه من علمه وجهله من جهله. فمن الضروري أن يكون للإنسان أوقات يعيشها متأملاً يخلو بينه وبين نفسه، يراجع فيها كل مفردات حياته من سلوكيات وأخلاقيات وعبادات وطاعات، ليطلع فيها على سجل حياته الدنيوي والأخروي حتى يعرف بوضوح ما هي منزلته عند الخلق ومنزلته عند ربه..هذه التأملات والمراجعات كفيلة بأن تجعله يخطو خطوة تقدمه للأمام، تقدمه نحو الأفضل لكي يعيش ويحيا حياة هانئة مستقرة، فالإسلام دين يجمع بين العقيدة والشريعة، بين الروح والمادة. والأجواء الإيمانية التي يعيشها الصائمون من صيام وقيام ودعاء وصدقات وتلاوة للقرآن الكريم والاستماع إليه، بلا شك تطهر الروح من درن الغفلة التي أبعدتها عن الله والقرب منه. وحينما تلامس القلوب هذه الطاعات وهذه الإيمانيات تتأثر الأبدان وتشعر كم كانت مقصرة طوال العام في جنب الله، وكم كانت بحاجة إلى أن تروي ظمأها الروحي. وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حينما أخبرنا بأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، ألا وهي القلب المحرك لهذه الأبدان والأجسام التي نحملها. رمضان دعوة مفتوحة لأن نغير فيه عادات طالما تمنينا تغييرها، وسلوكيات طالما رجونا إصلاحها. فلنفتش بين أعمالنا عن كل خطيئة اقترفناها طوال العام ونحاول أن نتوب ونقلع عنها، ولنبحث عن كل سلوك خاطئ في حياتنا ونبتعد عنه، ولندقق في كل عادة سيئة اكتسبناها ونحاول أن نستبدل بها عادة حسنة. بكل تأكيد أقول إننا لن نجد فرصة أعظم منها لفعل هذا مثل ما هي متوفرة في هذا الشهر الكريم. رمضان هو دعوة مفتوحة لكي نبرّ فيه آباءنا وأمهاتنا سواء كانوا أحياء بتلمس رضاهم، أو أمواتاً بالقيام بأعمال يصلهم ثوابها. هو دعوة مفتوحة لكي نصل فيه أرحامنا، ونعفو فيه عمن أخطأ علينا، ونتسامح ممن أخطأنا في حقهم، حتى تصفو النفوس وتزكو القلوب التي طالما حرص الشيطان على ملئها بالحقد والبغضاء والحسد فيما بيننا. لن نجد فرصة أعظم من رمضان للاقتراب من أسرنا وإصلاح أخطائنا. لا بد أن يمر رمضان علينا ونحن قد عزمنا على تغيير حياتنا نحو ما يجعلها حياة مليئة بالإيجابيات. لابد أن يطلّ علينا هذا الشهر ونحن عازمون على فتح صفحات بيضاء جديدة مع ذواتنا ومع من حولنا ومع خالقنا. تذكر فقط أن الله قد اختارك من بين جميع خلقه لكي تعيش هذه الأيام الفاضلة وتنتفع ببركتها، وتذكر فقط أنه بفضله سبحانه أدركت أيامه ولياليه لتنتفع بها وتحصد ثمارها. رمضان مثل زهرة تتفتح أيام الربيع لتفوح بعطرها وعبقها، والمسلم فيه كنحلة استفادت من امتصاص رحيقها، فلا تضيع الفرصة عليك، وليكن شعارك هو الإحسان الذي تحقق فيه معنى العبودية لله والاستجابة لأوامره.