الرأي

صباح الخير يا وطني

رهام فراش
نمت البارحة وروحي مفعمة بحب الوطن، بعد أن تكالبت عليه الأصوات الجاحدة المعادية، وبجهل بعضنا أفشينا ببوح لا يليق بأرض غمرتنا بعطف، وإن كانت تقسو في بعض حالاتها علينا لسبب عرفناه أو جهلناه. ونحن حين ننتقد أو نسرد مقالات في لفت النظر لخلل ما، أو ننقش الرسوم الكاريكاتيرية لتبرز بعض مشاكلنا، أو مقاطع الفيديو الساخرة التي تعطي ملخصا عن حلقة استضافت أهم وزرائنا تلفزيونيا، لا يتعدى حالنا تبادل الأدوار معها فنكون لها الأم التي تثور وتغضب على وليدها بعطف المحب، وكلها أمل أن يكون كلامها سحابة خير تصيب أرضا نضرة فتمطرها مزيدا من الغيث الصيب النافع. ولكنها أبدا لا ترضى أن تسمع غيرها يوبخ طفلها، أو يتجرأ عليه بقول أو فعل.. صدقا كان أو زورا.. فتكشر عن أنيابها وتغضب من فرط غيرتها وحبها وانتمائها.. وتأتي لتسرد أمجادا حجبت عن قلوب عمها الظلام وعشقت تصيد الأخطاء دون أن تهدي نفسها فرصة لترى النور وإن كان محتجبا بعضه خلف الغمام، نعم جرحت قلوبنا ونزفت دما حين صعقنا بتصريحات جاحدة خرجت من عقر دارنا تقول إننا شعب كسول، ومعدل عملنا لا يتجاوز ساعة من نهار! فتناقل العالم خبر كسلنا وأننا ندشن مواسم قحطنا وإفلاسنا.. واخزياه ماذا فعلنا بجهلنا، أهدينا الأعداء عدة ينسجوا منها قصصا عن فشلنا. حتما نحن لسنا في أحسن حالاتنا، ونمر بضائقة تستوجب منا أن نشحذ الهمة، وأن نشمر عن سواعدنا لا أن نشمت غيرنا في حالة انكسارنا.. يمضي المخلصون غير مبالين بأصوات الجهل التي ارتفعت تعادي وتضلل كل جهد وإن كان قليلا تكفيه النية الصادقة وشرف المحاولة والاستمرار في تجويدها.. وإن كان الواقع أدهى وأمر من تواضع وصف هذه المقالة، وأن الأزمة بلغت ذروتها، والأحزمة أخذت وضعية الشد بإحكام على خصر أصحابها ما لنا سوى الالتفات حول ضوء الحكمة الذي يجعل لنا من كل ضيق مخرجا، فلا التصريحات الرنانة تجدي ولا التخبط الإخباري ولا التضليل الإعلامي ولا الانسحاب ولا الإحباط ولا القرارات العشوائية المبتورة من استلهام الخبرة من أهلها وبلدانها ورجالاتها. كنت على موعد عابر أهداني فيه القدر صورا مشعة بالإخلاص عامرة.. شاهدت أشخاصا بحكم العمل معهم ملتزمين بالدوام في يوم الإجازة وقد كانوا من جهة حكومية لها وزنها، شهد النهار كاملا على قصة إخلاص لأناس استمر اجتماعنا معهم لتجهيز أمر ما زاد عن الست ساعات، لم يكن هراء بل كان جهدا مخلصا وإتقانا لأصغر التفاصيل، لست في موضع امتداح أشخاص بعينهم، وإن كانوا يستحقون وساما للشرفاء، لكن حتما هم وكثير غيرهم ممن يعملون خلف الأضواء بصمت سيكون الوطن لهم ممتنا ويرفع لهم يوما شأنا.. والأهم أن يعظم لهم المولى أجرا. ولم تنته دهشتي وفصول إعجابي بتفاصيل فعل المخلصين في بلدي فقد كنت على موعد آخر لأرى بأم عيني إنجازا صارخا احتضنه صرح «الجوهرة»، هذا الصرح العظيم الذي رحل صاحبه رحمة الله عليه، وبقي هو شاهدا على بديع صنعه وإخلاصه لأبنائه حين أهداهم مدينة رياضية متكاملة الملامح ليفردوا فيها قصصا من الإنجازات نعتد بها ولها مباهين أنفسنا وغيرنا.. حضرت مع أسرتي عرضا لفرقة عالمية من تنظيم هيئة الترفيه تلك البذرة الوليدة التي ما برحنا التندر لها وعليها، والتنبؤ لها بالفشل والاحتضار وهي في مهدها، لكنه كان عرضا خرافيا متكامل الملامح عالي المقاييس لا يقل في الإتقان والإدهاش عن العروض الاستعراضية العالمية التي طالما امتطينا الطائرات وصرفنا الدولارات قاصدين العواصم لحضورها. شاهدنا العرض ونبض الإعجاب يتسارع في قلوبنا، لم أشاهد في وجوه المئات من الحاضرين إلا فرحا واشتركنا جميعا في الإحساس بأننا خارج حدود وطننا.. لكن الحقيقة كانت صارخة لنستفيق من وهمنا، نعم هذا وطننا، وها نحن نعيش لحظات سعادة داخل خارطته الخضراء التي وإن تأخرت بأن تدللنا بغير قصد منها لكنها اليوم تمطرنا خططا ورؤى لنكون في أعالي قمم الدول التي تهتم بتفاصيل إسعاد شعبها. علينا أن نكون جزءا من هذا المشوار الطويل، أن نبني ونحرث ونشيد وطننا لا أن نتندر عليه ونقف مكتوفي الأيدي!