البحث عن التميز
الثلاثاء / 24 / محرم / 1438 هـ - 19:00 - الثلاثاء 25 أكتوبر 2016 19:00
في كتابهما «البحث عن التميز» قام الأمريكيان توماس بيترز وروبرت واترمان بدراسة أنجح مئة شركة أمريكية، بغية التوصل إلى معرفة العوامل المشتركة التي أدت إلى نجاحها وجعلها في مصاف أفضل الشركات في أمريكا، وذلك ليتعرف أصحاب الشركات الأقل نجاحا والشركات والمؤسسات الناشئة على تلك العوامل، ويقوموا بالتالي بتصحيح وتعديل أخطائهم بناء على ذلك، ومن ثم يتمكنوا من تحقيق ما يصبون إليه من نجاح وتميز في شركاتهم.
كان أهم عوامل النجاح والتميز في جميع الشركات التي درسها بيترز وواترمان هو التركيز على الخدمة الأساسية للمنشأة سواء شركة أو مؤسسة، فإن كانت شركة أطعمة فإن الأساس هو جودة الطعام وليس مظهر المطعم وإنارته وديكوره وألوانه وتصميم جلساته. كلها مهمة ولكن الأهم هو جودة الطعام، الأساس، المهمة الرئيسية، الخدمة التي من أجلها قامت الشركة. فإذا كان الطعام سيئا فإن كل النواحي الأخرى تصبح غير ذات قيمة ولن تعني شيئا للعميل الذي سيعزف عن التعامل مع هذا المطعم، وذلك ببساطة لأن هدفه الأساسي من قدومه إلى هذه المؤسسة، المنشأة، المطعم، هو الاستمتاع بطعام جيد مميز أولا، ثم أن يكون ذلك في مكان جميل هادئ مريح ثانيا.
المستشفى مهمته الأساسية العلاج، التطبيب، وليس الخدمات الفندقية ومظهر الموظفين وزي الممرضات وفخامة المبنى ومصاعده وممراته ونوعية البلاط في أرضياته. كل هذا ليس له أي قيمة لو كان الأطباء سيئين والعلاج سيئا. ماذا تعني لي فخامة مبناك وأناقة موظفيك وتطور تقنياتك إن لم أجد عندك حلا لمشكلتي الصحية وخلاصا من آلامي ومعاناتي التي جئتك من أجلها؟
والمدرسة مهمتها الأساسية التعليم، وليس جمال المبنى وما يحيط به من حدائق، والباصات الفخمة لنقل الطلاب والطالبات، وأناقة الزي الموحد ونوعية الكافتيريا وما تقدمه من وجبات، ومستوى التقنية المستخدمة في المدرسة. كل هذا مهم وربما في غاية الأهمية، لكنه لن يعني لي شيئا ما دام مستوى التعليم، التحصيل المعرفي، التطور العلمي، المهمة الأساسية للمدرسة، سيئا. لن تعني لي كل تلك الفخامة شيئا، ولن تهمني كل تلك المحسنات ما دامت لن تحقق ما أتيت بابني إلى مدرستك من أجله في المقام الأول والأخير.
وما نلحظه هنا في هذا البلد، وفي الغالب الأعم من الشركات والمؤسسات الطبية والتعليمية والمختصة بالأغذية وغيرها هو وقوعها في هذا الخطأ تحديدا.
مستشفيات غاية في الفخامة وغرف فندقية خمس وحتى سبع نجوم، ومحال راقية للهدايا والورود وأفخر علب الشوكولا، وصيدلية بنظام متطور لصرف الأدوية، ومختبر تحاليل متطور وآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا من أجهزة أشعة وفحوصات، أما مستوى الأطباء واهتمامهم بالمريض وحرصهم في دقة الفحوصات السريرية وتشخيص الأمراض فهو في الحضيض، في غاية السوء، وربما يكون ضمن الأسوأ. ومطاعم أيضا على أرقى مستوى وكل ما فيها فخم وراق وجميل فيما عدا شيء واحد، الأكل. هو الأسوأ في مؤسسات اختصاصها ومهمتها الرئيسية والأساسية تقديم الطعام الجيد. والمدارس أيضا ليست باستثناء، فالكثير من تلك المدارس الأفخم والأضخم والأفضل في كل شيء ينقصها شيء واحد فقط وهو التعليم الجيد.
ما نريده من أصحاب الشركات والمؤسسات الخاصة، ومن مدراء ومسؤولي المؤسسات العامة أن يستفيدوا من دراسة بيترز وواترمان، وأن يعلموا أن جل اهتمامهم يجب أن ينصب على مهمة مؤسساتهم الأساسية كي تنجح، كون ذلك هو الهدف الرئيسي من وراء إنشائها، مع الاهتمام ببقية الجوانب الأخرى. أما الاهتمام بالمظهر وإهمال الجوهر فذلك هو السبب الرئيسي لفشل مؤسساتهم وعدم نجاحها كبقية الشركات والمؤسسات في العالم.
nmjuhani@makkahnp.com