الآثار الاجتماعية للزكاة

إن الفرد هو نواة المجتمع، فإذا صلح الأفراد صلح المجتمع كله، لهذا لا جناح علينا من أن نبدأ بالآثار الفردية للزكاة، مستخلصين من ذلك ما تنتجه الزكاة من آثار على المجتمع كله.

إن الفرد هو نواة المجتمع، فإذا صلح الأفراد صلح المجتمع كله، لهذا لا جناح علينا من أن نبدأ بالآثار الفردية للزكاة، مستخلصين من ذلك ما تنتجه الزكاة من آثار على المجتمع كله. فإيتاء الزكاة فيه امتثال لأمر الله ورسوله، ولا يكون المسلم مسلماً إلا إذا امتثل لأوامر الله جميعاً فأدى فرائضه وامتنع عن نواهيه. وإيتاء الزكاة فيه برهان على إيمان صاحبها كما في الحديث «والصدقة برهان»، ذلك لأن هناك أموالا تستحق عليها الزكاة لا يعلمها إلا صاحبها، كالمال المدخر عنده، سواء كان ذهبا أو فضة أو ما يقوم بهما. وفي إيتاء الزكاة من هذا المال تطهير للنفس من دنس الذنوب والأخلاق الرذيلة «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها». (التوبة - 103). وفضلا عن ذلك فإن الزكاة تؤدي إلى المودة بين الناس لأن فيها إحسانا، والناس جبلوا على أن يحبوا من أحسن إليهم، ورب دعوة من فقير أو مسكين لصاحب مال تنعكس على هذا الأخير في ماله أو صحته أو عياله. وإذا كان الأفراد ممتثلين لأوامر الله، عاملين بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، صار المجتمع كله كذلك... مجتمعا نقيا صالحا متدينا يخشى الله في كل عمل، تسوده المودة ويرفرف عليه الحب، ويغدو أفراده كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ويقف صفا واحدا أمام الدعوات الإلحادية فيحطمها، ويعمل على نشر دعوة الإسلام الصحيحة في ربوع الأرض، ذلك فضلا عن نقاء المجتمع وتخلصه من ظواهر الأنانية والحسد التي هي أساس البلاء في المجتمعات غير الإسلامية أو غير الملتزمة بمنهج الإسلام. هذا، وإن الله تبارك وتعالى إذا ما وجد أفراد المجتمع متجهين إلى طاعته، فإنه يعين المتصدق منهم ويهيئ له طريق الرشاد، ويذلل له سبل السعادة: «فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى»، وبهذا يهدي الله المجتمع كله إلى ما فيه صلاحه وصلاح أمة المسلمين جميعاً. كما أن الزكاة تدفع عن الناس الأسقام، وفيها دواء من الأمراض، وذلك لحديث: «داووا مرضاكم بالصدقة»، وحديث «باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها»، ذلك لأن الزكاة لو وزعت على مصارفها جميعا، وروعي فيها الفقراء من حيث المطعم والملبس والمأوى والصحة، فستعم العافية جميع أفراد المجتمع لانتفاء أسباب تفشي الأوبئة والإقلال من عدوى السقيم للسليم. ذلك فضلا عن أن الله تبارك وتعالى يرعى عباده الذين يلتزمون بشريعته، فيبعد عنهم الضر ويشملهم برحمته، مصداقا لقوله عز وجل: «إن رحمة الله قريب من المحسنين»، وقوله: «ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة». كذلك فإن الصدقة بما تؤدي إليه من صحة تعم المجتمع، فإنها بالتالي تزيد من متوسط الأعمار، مصداقا للحديث الشريف: «إن صدقة المسلم تزيد في العمر»، فما بالنا بأمة يرتفع معدل الأعمار فيها، وما يترتب على ذلك من زيادة لاكتساب خبرات أفرادها، واستفادتها من تجارب جيلين بدلا من جيل واحد مثلا. وبالصحة التي تعم أفراد المجتمع، وبتنمية المال العام، يصير المجتمع قويا قادرا على الانتصار على أعدائه، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم «وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا». وفي الخلاصة تنعم الأمة الإسلامية المتمسكة بتعاليم الزكاة بالسعادة والطمأنينة واجتناب كل أسباب ومظاهر البلاء، حيث يقول الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير «إن البلاء لا يتخطى الصدقة وإنها تسد سبعين بابا من السوء»، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها». (رواه البيهقي). وتؤدي الزكاة إلى إشاعة الأخلاق الفاضلة في المجتمع، فمعطيها إنما يفعل ذلك عن طيب نفس، ويحس بأنه يؤدي حق الله في ماله، وأعطى الفقير حقه «وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم»، وبهذا لا يحس مؤتي الزكاة بالكبر والفخر، لأنه أعطى جزءا من ماله إلى غيره. والحديث الشريف يقول: «إن صدقة المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء وتذهب السوء ويذهب بها الكبر والفخر» (رواه الطبراني). كذلك فإن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، مثلما جاء في حديث شريف عن معاذ بن جبل. وبهذا إذا عمت الأخلاق الفاضلة المجتمع، ارتفع شأنه على أسس ثابتة الأركان، واشتد عوده، ورجع إلى ما كان عليه مجتمع المسلمين الأول الذي كان لا يغلب من قلة. وعن أنس رضي الله عنه: «إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء» (رواه الترمذي). وعلى ذلك فإنها تطفئ الخطايا، ويكون الله راضيا عمن أعطاها. ولا شك أن رضا الله عن المجتمع المؤتي للزكاة هو أسمى غايات ذلك المجتمع. وتؤدي الزكاة إلى إشاعة الإيثار بين أفراد المجتمع، حيث يحثهم الله تبارك وتعالى على الإنفاق مما يحبون: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم». فمثل هذا الإنفاق يؤدي إلى البر، والبر يؤدي إلى الجنة، وهي منتهى أمل كل مسلم. إن المجتمع الذي يتهاون في الزكاة، أو لا يؤتي الحق فيها، يتعرض للابتلاء بالسنين، لما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين». (رواه الطبراني في الأوسط)، كما أن المجتمع الذي لا يؤدي حق الله في أمواله، يكون أفراده هم أول من يدخل النار، مصداقاً لحديث شريف عن ابن خزيمة، وابن حبان، كما يتصفون بصفة المنافقين لما في الحديث: «ظهرت لهم الصلاة فقبلوها، وخفيت لهم الزكاة فأكلوها، أولئك هم المنافقون» (رواه البزار). ونعوذ بالله من أمة أفرادها منافقون عليهم غضب من الله. (ونكمل في المقال المقبل بإذن الله).