الرأي

اجعلوا ما بيننا وبينكم واسطة

دبس الرمان

هبة قاضي
أتعرفون ذلك التلميذ الشديد الانضباط، الشديد المثالية، ذلك الذي يحبه كل الأساتذة فيجعلونه عريفا على فصله ليستمتع بسلطة التحكم في رفاقه. والذي يحبه الإداريون فيتغاضون عن مخالفاته وتجاوزاته. نعم إنه ذلك الكائن الذي يتعلم من سن مبكرة فنون التسليك وتعطير الكلام ودهنه بالسكر والعسل والمربى قبل أن يقدمه على طبق من المجاملات والمواربة. علم ذلك التلميذ بأن وفدا تفتيشيا مفاجئا من الوزارة سيزورهم اليوم على خلفية اختلال ميزانية المدرسة. وكم كانت الصفعة مؤلمة حين وجد المدير يشوح بيده أمام اللجنة في عصبية وهو يلقي باللوم جزافا على الطلاب وحضورهم للمدرسة، شغلهم للفصول، استلامهم للكتب، شرائهم من المقصف، استخدامهم للحمامات، لعبهم في الملعب، حضورهم إلى الاختبارات وكل الأنشطة التي وجدت المدرسة من أجلها في الأساس. النتيجة أنه بناء على سوء الإدارة في تنظيم سير العمل وإدارة الموارد سيتم استقطاع جزء من رواتب المعلمين والمستخدمين والصيانة والمرافق الأساسية. صحيح سيتدهور الوضع العام ولكن المهم أنه سيتم التوفير في الميزانية. بعد ظهور الثلاثي الفتاك من الوزراء في المقابلة الشهيرة التي بالتأكيد سيؤرخها التاريخ كفضيحة محلية وعالمية يندى لها الجبين. تكشف الاحتياج الحقيقي والعاجل والذي لا يحتمل الانتظار لجهاز مستقل من الخبراء يعمل كواسطة بيننا وبين الحكومة. فمنذ ظهور الرؤية وافتراض دخولنا في عهد جديد من التواصل والشفافية ومشاركة الشعب في التطوير والنماء، ونحن بحاجة لجهاز أو مجموعة من المحنكين في الاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع وفي نفس الوقت مدربين ومجهزين على فنون التعامل مع الجمهور، بحيث يكونون واسطة التواصل. تقوم هذه الإدارة بإيصال صوت الناس إلى الإدارة العليا، تشرح الأوضاع، تحلل الظروف، والأهم تصوغ التغيير وتنقح الخطابات الموجهة إلى الناس بطريقة ذكية لا تهز أمنهم، ولا تستغفل ذكاءهم. تخيلوا معي كم من التغيرات والأخبار كانت ستنزل بردا وسلاما لو أنه فقط تم التخطيط لها وتقديمها بطريقة مدروسة تجعلنا نشعر بأننا ندعم ونساند بدلا من أننا عبء وعالة. (الموظف الحكومي لا يعمل إلا ساعة واحدة)، (علينا حماية المواطن من شجع التجار)، (نحن على وشك الإفلاس)، وغيرها من العبارات والتعابير المحبطة للمجتهدين ممن أفنوا جهودهم وأعمارهم في الخدمة والإخلاص. والمثيرة لغضب التجار الذين يسعون في الأرض بالتكسب الحلال والرسوم الحكومية ترتفع وتتغير باطراد. والجملة المزلزلة الأخيرة التي حطمت ثوابت الثقة التي تعلمنا أن نسلم مقاليدها وعلى أساسها نطيع، ندعم، بل وندافع ونذود. الوضع لم يعد يحتمل المزيد من التخبط الإعلامي وسوء التقدير والتصرف. نعم نحتاج واسطة من المفكرين، المحبوبين، الأذكياء اجتماعيا، المنطلقين خطابياً، المثبتة نزاهتهم، المعروفة مصداقيتهم لينقذوا الوضع، ليصلحوا العلاقة، ليحاولوا درء الصدع ولملمة الشعث قبل فوات الأوان. heba.q@makkahnp.com