هذا المنع لن يوقف تجارة "الوهم": الأفضل حظر »المهنة«

سأفترض أن وسائل الإعلام السعودية كلها، استجابت لتعليمات وزارة الإعلام ومنعت ظهور الرقاة ومفسري الأحلام، على صفحاتها وشاشاتها وميكروفوناتها، فما الحل مع باقي الشاشات والصفحات والميكروفونات الموجهة إلى المجتمع السعودي بالدرجة الأولى، سيما والغالبية من الرقاة ومفسري الأحلام وفكاكي السحر سعوديون، ومتابعوهم من السعوديين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالملايين، أسأل لأنني أعتقد أن هؤلاء الرقاة والمفسرين سيجدون ترحيبا واسعا لدى تلك الوسائل طالما أنهم يجذبون لها مشاهدين كثرا من السوق المستهدف

سأفترض أن وسائل الإعلام السعودية كلها، استجابت لتعليمات وزارة الإعلام ومنعت ظهور الرقاة ومفسري الأحلام، على صفحاتها وشاشاتها وميكروفوناتها، فما الحل مع باقي الشاشات والصفحات والميكروفونات الموجهة إلى المجتمع السعودي بالدرجة الأولى، سيما والغالبية من الرقاة ومفسري الأحلام وفكاكي السحر سعوديون، ومتابعوهم من السعوديين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالملايين، أسأل لأنني أعتقد أن هؤلاء الرقاة والمفسرين سيجدون ترحيبا واسعا لدى تلك الوسائل طالما أنهم يجذبون لها مشاهدين كثرا من السوق المستهدف لا أدري إن كانت وزارة الإعلام عندما أصدرت هذا المنع أخذت في حسبانها هذا الأمر أم لا، وهل كانت تظن أن المتلقي السعودي لا يتابع إلا وسائل الإعلام السعودية، ثم ألا يعلم الكل أننا الآن لسنا في قرية عالمية صغيرة فحسب، بل نحن في شاشة عالمية صغيره نتلقى عليها كل ما يبث ويكتب في الدنيا كلها؟ سأنتقل الآن إلى صورة أخرى مع فارق القياس، وأسأل: هل تستطيع أي وسيلة إعلام في العالم الترويج للمخدرات؟ طبعا لا تستطيع، لأن الفعل نفسه جريمة، أي زراعة وصناعة المخدرات وتعاطيها جريمة في غالبية أرجاء الدنيا، وبالتالي فإن الترويج لها جريمة، الأمر الذي يستحيل معه أن تجرؤ أي وسيلة إعلام على ترويجها، فضلا عن تقديم منتجيها أو تجارها الذين لا يجرؤون هم أنفسهم على الاعتراف بما يقترفون دعك من المخدرات، وخذ -السجائر- مثلا، ستجد أن معظم دول العالم تحظر الترويج لها عبر وسائل الإعلام، مع أن تعاطيها مباح في الدنيا كلها، لكن لثبوت أضرارها الصحية القاتلة، يجري مطالبة وسائل الإعلام بالترويج لتلك الأضرار القاتلة، وتقديم نماذج من ضحايا التدخين الذين أصابتهم الأمراض والعاهات من جراء تعاطيها، وفوق ذلك يجري سن قوانين صارمة لمحاصرة المدخنين، ومنعهم من التدخين في الأماكن العامة وتحت كل سقف عام، ليس لحثهم على الإقلاع عن هذه العادة السيئة، بل لحماية الآخرين من أضرار تدخينهم وعلى ذلك فقس، حيث يمكن أن تجد العديد من الأمثلة، مثل منع بعض الكتب أو القنوات الإباحية أو الإلحادية في بعض البلدان، أو حظر المواقع الإباحية في النت والفضاء، وسيتبين من استعراض الأمثلة، أن هناك أفعالا هي في حد ذاتها إما جريمة يعاقب عليها القانون مثل المخدرات، أو خطأ خطير يخشى من خطره على الناس مثل التدخين ونشر الإلحاد ونحوهما الرقية، وتفسير الأحلام معروفة في ثقافتنا الإسلامية، وفي ثقافات أخرى، لكنها لم تتحول إلى مهنة بهذا الحجم إلا في العصر الحديث، وهي مهنة أصبحت تدر ملايين الريالات على ممتهنيها، مما أغرى بتكاثرهم وانتشارهم، وأصبح المخلص الصادق المتطوع منهم عملة نادرة، ولكثرة الإقبال عليهم، بسبب البنية الثقافية المظللة التي أفرزها ما سمي بالصحوة، وجدوا في (مهنتهم) فرصة لتصدير الوهم وتضخيمه، ونفض جيوب الناس على مذابح بركاتهم المزعومة، وتبعا لذلك كثرت الضحايا لهذا الوهم وخاصة من النساء وزارة الإعلام حين منعت تقديمهم إنما أرادت منع الترويج لهم، وهو ترويج لن يتوقف مع وجود وسائل أخرى كثيرة جدا ستستضيفهم وتروج لهم، ولهذا فإن الأجدى هو تفكيك تلك البنية الثقافية التي أفرزتها، وهذا التفكيك في نظري يتطلب أمرين، أولهما: صدور نظام يمنع المهنة نفسها، أي يمنع نهائيا مهنة راقٍ، أو مفسر أحلام، ومعروف ما معنى (مهنة)، فهي التي يتفرغ لها الإنسان كليا أو جزئيا، وتدر عليه مالا، وأقول وأوضح هذا حتى لا (ينط) أحدهم ويتهمني بما لا أقصد، فالقصد حماية الناس من استغلال عواطفهم وتكريس وترويج الأوهام، بهدف الكسب الذي يصبح غير مشروع بهذه الصفة، وحيث تصعب التصفية والتنقية، فمنع المهنة سيجعل النصابين والمستغلين والمروجين للأوهام يتوقفون قطعا، ولن يبقى إلا قلة قليلة من المتطوعين الذين يتقون الله ويخافونه في عباده، ويرفضون أي مال على ما يفعلون، بل ويرفضون الترويج لأنفسهم، أو تخصيص مكاتب أو عيادات لمراجعيهم، وإنما هي صدقة يقدمونها وفق ضوابط الشرع لأهاليهم، أو جيرانهم ومعارفهم حسب الصدف والحاجات، وهؤلاء نقول لهم جزاكم الله كل خير، أما أولئك الانتهازيين فحين يجدون صرامة نظام يمنع المهنة نهائيا، فسنجدهم كما يقال (فص ملح وذاب)، وثاني الأمرين أن تقوم وزارة الإعلام بتوجيه مختلف الوسائل إلى نشر وتقديم ضحايا أولئك الرقاة ومفسري الأحلام الذين نشروا وروجوا الأوهام، مع تحذير الناس منهم وتوعيتهم بالرقية الشرعية، ونبذ كل ماء أو زيت يدعي موزعه بركته، والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند كل حلم، والاكتفاء بـ(اللهم اجعله خير) السؤال الآن من سيصدر نظاما يحظر هذه المهنة؟