هل أمسكت مصر العصا من النصف؟
الأربعاء / 18 / محرم / 1438 هـ - 20:00 - الأربعاء 19 أكتوبر 2016 20:00
جاءت جلسة مجلس الأمن الأسبوع الماضي عاصفة، خلال التصويت على مشروعي قرار بشأن المعضلة السورية، أحدهما فرنسي -جاء بإيعاز أمريكي- لكنه انتهى بالفيتو الروسي، والآخر روسي لم يحظ بتأييد سوى أربعة أصوات، كان صوت مندوب جمهورية مصر العربية لدى الأمم المتحدة من ضمنها، موافقا على كلا المشروعين.
لكن تصويت مصر بالموافقة على مشروع القرار الروسي تحديدا، جعلها عرضة للانتقاد من قبل مندوب السعودية ومندوبة قطر لدى الأمم المتحدة، حيث وصف عبدالله المعلمي المندوب السعودي الدائم القرار بأنه «مؤلم»، وأن موقفي ماليزيا والسنغال كانا أقرب إلى الموقف السعودي، بينما وصفت مندوبة قطر لدى الأمم المتحدة الشيخة علياء آل ثاني موقف مصر بالمؤسف.
قبل الدخول إلى محاولة فهم الموقف المصري، لا بد من الإشارة إلى أن الأزمة السورية لم تلق بظلالها المؤثرة على الواقع العربي، بل تجاوزته إلى خلق صراع دولي تجاوز مسألة «تسجيل الموقف» إلى «إثبات الوجود» في النظام العالمي الجديد.
وعلى الرغم من العلاقة التاريخية التي ربطت مصر والسعودية على كافة الأصعدة، إلا أن مثل هذا الموقف يوحي -بما لا يدع مجالا للشك- أن الأزمة السورية هي قضية خلافية بالنسبة للطرفين من واقع مصلحة كل طرف، فمصر لم تتدخل في الأزمة حين اندلاع الثورة السورية، أولا نتيجة لانشغال المصريين بثورتهم ( 25 يناير) وما أحدثته من إرباك كبير ومن تبعات سلبية، من ضمنها الاقتصاد، كأحد الوجوه السيئة «للربيع العربي» الذي أثبت صمود المعادلة العربية لستة عقود مضت، وهي: أن البديل السياسي دائما أسوأ!
وثانيا هو الموقف الضمني للسياسة المصرية الذي وإن لم يعلن، إلا أنه يؤيد بقاء النظام السوري ومؤسساته على وضعه السابق، ومن هذا المنطلق وافقت السلطات المصرية على مطلب السلطات السورية بحصول زائري مصر السوريين على موافقة الجهات الأمنية السورية، لإثبات أن هذا الزائر أو ذاك ليس مطلوبا سياسيا للنظام السوري، ولكن في المقابل رحبت مصر بوجود المعارضين السوريين السلميين على أرضها، ونظمت أكثر من لقاء للمعارضة السورية بمصر في محاولة للاحتواء.
وتتوافق وجهات النظر السعودية والمصرية حيال بعض أجزاء المسألة السورية، ومنها على سبيل المثال ضرورة بقاء مؤسسات الدولة وعدم انهيارها بما فيها الجيش، إلا أن وجهات النظر هذه تتباين وتختلف حيال إسقاط النظام -أو بالأحرى رأس النظام- المتمثل بالرئيس السوري بشار الأسد، كما تتباين حول الموقف الروسي من الأزمة السورية الذي أفضى إلى تدخل عسكري روسي مباشر من خلال قوات جوية وبحرية أصبحتا تحتلان اليوم قاعدتين دائمتين على ساحل البحر الأبيض المتوسط داخل الحدود السورية، وهو الواقع الذي لم يعد من الممكن تجاهله.
ومن الواضح حاليا أن مصر ملتزمة تماما بالحليف الروسي، ونتيجة لذلك جاء تصويت مصر بالموافقة على مشروع القرار الروسي التزاما بهذا الحلف التاريخي الذي انتعش وعاد إلى الواجهة بقوة بعد عام 2013.
وعلى أية حال، بالرغم من أن انتقاد التصويت المصري على المشروع الروسي يبرر بعدم تضمين المشروع حلا للسلام ووقفا لإطلاق النار، نتيجة عدم الإشارة إلى وقف الغارات الجوية، ولا سيما أن مدينة حلب التي تُدك اليوم بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة من قبل النظام السوري بدعم من حليفيه الروسي والإيراني، ولربما فُسِر موقف مصر بعد جلسة التصويت بأنه دعم للموقف الإيراني في سورية أكثر من كونه دعما للحليف الروسي.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد صدر الواقع السياسي السوري أسوأ ظاهرتين للدول العربية الحديثة وهما: الانقلاب العسكري على نظام الحكم المدني، وتوريث الحكم في النظام الجمهوري. وكلا الأمرين ليسا ببعيديْن عن الواقع السياسي المصري في لحظات معينة من التاريخ، بدءا من «ثورة 23 يوليو» مرورا بمسألة توريث الحكم في مصر المطروحة زمن الرئيس السابق حسني مبارك، وانتهاء بعزل الرئيس السابق محمد مرسي، مما لا يدع مجالا للشك بأن نظام الحكم في مصر تمسك به فعليا المؤسسة العسكرية منذ ستين عاما وإن أخذ صفة الحكم المدني، وأن تخوف النظام من «الإخوان المسلمين» مرده إلى القناعة بأن هذا التيار السياسي الذي ولد في مصر لن يرضى إلا بالسيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة لأطول فترة ممكنه، وبأي أسلوب كان، ولهذا كانت تلك السنة التي سقط فيها حكم الإخوان المسلمين نقطة تلاقٍ بين مصر وسورية، جعلت وزير الخارجية السوري وليد المعلم يصرح بالقول: إن سقوط «الإخوان» هو سقوط لمشروع «الإسلام السياسي».
لكن رغم ذلك لا يمكن إغفال قوتين مهمتين في مصر برزتا خلال السنوات الخمس الماضية، الأولى هي المجتمع المدني ومؤسساته الفاعلة في ثورتي يناير ويونيو، والثانية هي الجيش الوطني لمصر الذي يعتبره المصريون تاريخيا صمام أمان لهم، رغم تموجات السياسة وانعطافات التاريخ.