أصغوا لما تسمعون
الثلاثاء / 17 / محرم / 1438 هـ - 19:30 - الثلاثاء 18 أكتوبر 2016 19:30
يقول المتنبي: الرأي قبل شجاعة الشجعان، وهو صادق، فالرأي العام مهم ولا سيما عندما تمر الأمة بالظروف الصعبة التي لا بد أن تمر بها الدول والمجتمعات أيا كانت الصعوبات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، حيث تخلق في المجتمع القوي الفاعل نوعا من التحدي ونوعا من المواجهة وتحريك الذهن والعقل الجمعي ليبحث عن الحلول لمشكلاته التي يمر بها، وقلما تأتي صعوبة إلا وتحفز معها يقظة المواجهة على العمل الجاد، وتبتعد عن حياة الهدوء والدعة والسكينة وتخلق معها وسائل الحلول الممكنة والتصدي والتغير أيضا.
والعالم اليوم كله يواجه شيئا كثيرا من الصعوبات، والعرب يواجهون أشرس القضايا وأشدها قسوة ومرارة في الأمن، وهو الأهم، وفي الاقتصاد وهو الأقوى، وفي السياسة وهي الأخطر، وفي الشأن المحلي والدولي، ولكل قطر عربي ما يكفيه من المشكلات في الداخل وفي الخارج، ولكن الحلول لا تأتي سهلة، ولا يعبر الناس بصراحة عنها، وفي بعض الحالات لا يجدون وسيلة للتعبير عما يرون أنه واجب العمل به لحلول ما يواجهون من المشاكل الاجتماعية، رغم أن الضرورة تقتضي السماع لكل تجربة وخبرة ورأي ولو كان عارضا، حتى في الدول الديمقراطية التي تحكمها أحزاب وانتخابات وتقوم فيها آليات تبادل السلطة لا يستغنون عن الرؤى من خارج الحزب الحاكم أو خصمه الحزب المعارض، وعندهم تنشط مراكز البحوث والدراسات الأهلية، ولم يستغنوا عما تقدمه هذه المراكز ذات الخبرة الطويلة المستقلة عن الرؤية الرسمية، بل إن الحكومات الديمقراطية تكلف المؤسسات المدنية المستقلة لدراسة بعض ما يواجهها من مصاعب، ولا يجدون في ذلك غضاضة أن يستمعوا لنصائحهم ويأخذوا بما يوافق منها ويعرضوا عما لا يريدون من ذلك، رغم أنهم استمعوا لرأي الناخب الذي أوصلهم إلى سدة الحكم قبل ذلك، فما بالك بالدول التي لا تتوفر فيها مساحات كافية من تبادل الرؤى واستطلاع ما لدى عامة الناس من مشاركة قد تكون مفيدة لصانع القرار السياسي والاقتصادي وغيره مما تدعو الحاجة إلى سماعه.
الجو الذي نعيش فيه محليا لا يشجع أن نكون صورة طبق الأصل، الجو يشجع على الاختلاف والتعارض ويحتم أن تكون وسائلنا كثيرة متعددة، ولكن غايتنا يجب أن تكون واحدة ومتفقا عليها.
غايتنا جميعا أمن الوطن وسلامته وسعادة أهله، والعمل على أن يتحقق ذلك في جو من التعاطف مع حاجات الناس، ومقتضيات المصلحة العامة، وإن اختلفت الطرق إلى هذه الغاية النبيلة، ولا يتحقق ذلك حتى تكون الأبواب مفتوحة بين المسؤولين وبين الناس؛ ليسمع بعضهم بعضا، ويأخذ بعضهم من بعض.
ما يلاحظ في الوقت الحاضر أن الرأي الرسمي لم يعد بقربه المعهود من الناس، وأنه يكتفي بما لديه ويستغني ببعض الآراء ويستوحش من بعضها ولا يلتفت كثيرا للرأي المخالف، ولم تعد هناك مساحة معقولة لاعتبار وجهات النظر التي تدور في وسائل التواصل الاجتماعي ومع الناس، وهي وجهات نظر تعبر عن كثير من الأطروحات والأفكار والمقترحات التي نحن بحاجة إليها، ويمكن أن تعزز الإجماع، وتبنى عليها الحلول للمشاكل التي تواجه الناس.
وما يحصل من شحن حولنا لا يساعد كثيرا على أن نكون على رأي واحد وما سواه باطل، ولا أن نغضب من الرأي المخالف ونهمله أو نلجم صاحبه، ولا يطلب من أهل الرأي مهما كان شأنهم ومهما كانت توجهاتهم الصمت في وقت يصلح فيه الكلام، أو الموافقة على كل ما يقال ويفعل، نحتاج أن يدلي كل ذي رأي برأيه وأن تتسع الدائرة بين أهل الرأي وأهل القرار السياسي وأن تكون لديهم سعة صدر على ما يسمعون من النقد ووجهات النظر والمواقف الحدية لم يعد من الممكن العمل بها. أصغوا إلى الناصحين واصبروا على المجادلين ووسعوا صدوركم للمتحدثين، وارهفوا أسماعكم لما يقول عامة الناس وخاصتهم، وثقوا أنهم يقولون ما يرونه في صالح الوطن وأهله، ويقفون حيث تريدون، فدعوا العمل يكون على قاعدة أوسع ومشاركة أفضل، واحملوا الناس على محامل الخير وحسن الظن، واقربوا منهم ولا تبتعدوا عنهم.
marzooq.t@makkahnp.com