إدارة الدين العام وتقليدية وزارة المالية
الاثنين / 16 / محرم / 1438 هـ - 18:45 - الاثنين 17 أكتوبر 2016 18:45
في نهاية السنة المالية الماضية 2016 أشار بيان وزارة المالية إلى توجه الحكومة إلى تطوير وحدة إدارة الدين العام في وزارة المالية، بهدف تطوير استراتيجية الدين العام ومصادر وسبل تمويله بفرض من الظروف المالية والاقتصادية التي نمر بها، نتيجة تراجع إيرادات الحكومة بضغط من انخفاض أسعار المصدر الأول للدخل « النفط»، وفي الأسبوع الماضي أعلنت وزارة المالية رسميا إنشاءها لإدارة الدين العام بالوزارة، في خطوة استباقية قبل نحو ثلاثة أشهر من إعلان الحساب الختامي لميزانية هذا العام، وموازنة العام القادم 2017.
وإنشاء إدارة الدين العام في وزارة المالية لا جدال في جدواه اقتصاديا- حتى لو تبدلت أحوال النفط وأسعاره للأفضل مستقبلا - في تأمين احتياجات المملكة من التمويل بأفضل التكاليف الممكنة على المدى القصير، والمتوسط، والطويل، إلا أن الإصرار على استخدام الطرق التقليدية، سواء في الإدارة أو الاقتصاد أو التمويل، رغم كلفتها العالية في ظل توفر بدائل أخرى أقل تكلفة ومخاطرة يجعل من الصعب جدا التكهن بفعالية هذه الإدارة في تمويل العجز الحكومي.
وتاريخ وزارة المالية مع اتباع وتبني النهج التقليدي قديم جدا يعود إلى عصر الطفرة الأولى، ويظهر جليا في طرق إدارة السيولة والتدفقات النقدية أو استثمار الفوائض المالية، حتى وسائل التمويل والاقتراض، وأبرزها إيقاف سندات التنمية، وليس آخرها رفض إنشاء صندوق سيادي استثماري طوال السنوات الماضية، والإصرار على جدوى الاستمرار في سندات الخزانة الأمريكية لزمان طويل، رغم أنه يمكن إنشاء الصندوق والاستمرار في الاستثمار في السندات، ولا يتعارض أحدهما مع الآخر.
وكل ما ذكر أعلاه شاهد على تقليدية وزارة المالية، وأنها لم تستفد من درس تحديات ما بعد الطفرة الأولى، وكررت الخطأ ذاته في عصر الطفرة الثانية، والتي انتهت في نهاية العام ما قبل الماضي.
وبالعودة إلى تمويل العجز الحكومي نجد أن وزارة المالية لجأت إلى أكثر الطرق تقليدية للحصول على السيولة، وهو إصدار سندات سيادية دولية مقومة بالدولار، رغم أنها قد تكون أكثر كلفة في ظل تراجع التصنيفات المالية للمملكة، وارتفاع حجم العجز المالي، في حين أنه يمكنها الاقتراض بضمان رهن السندات العالمية التي تستثمر فيها الحكومة في مقابل الحصول على السيولة التي تحتاج إليها، وهو ما لم تفكر فيه وزارة المالية، كما أنه يمكن لوزارة المالية الدمج أو استخدام هاتين الوسيلتين للحد من تكلفة الأولى، والانتظار لحين اتضاح الرؤية حول أسعار النفط الخام بعدما تعلن نتائج اجتماع مصدري النفط في نوفمبر المقابل.
تقليدية وزارة المالية فوتت على السعودية استغلال التصنيفات الائتمانية العالية لتمويل بعض المشاريع حتى في حال وفرة الفوائض المالية، لأن ذلك يمكنها من الاقتراض بتكاليف منخفضة جدا، واستثمار السيولة المتوفرة والاستفادة مع العوائد في سداد القروض والفوائد المترتبة عليها، وهو ما أشرت إليه في مقال نشر هنا في الثالث من أبريل 2015 ، ذكرت فيه «التصنيف المرتفع الذي حصلت عليه المملكة يمكنها من الحصول على فرص أكبر لإنشاء مشاريع البنية الأساسية، والمشاريع الاستثمارية بتكلفة أقل مقارنة بالفترة السابقة، لأن قوة المركز الائتماني، وقدرة الدولة على الوفاء بديونها تؤخذان في الحسبان عند حساب تكاليف المشاريع، فكلما انخفضت مخاطر التعثر قلت تكلفة التمويل، ويعني ذلك قدرة الحكومة على الحصول على تمويل للمشاريع بتكلفة أقل، مما يعزز استمرار برامج التنمية».
على أي حال، ما نمر به الآن ما هو إلا نتاج تقليدية وزارة المالية، وأخطاء في إدارتها للسيولة والتدفقات النقدية في عصر الطفرتين الأولى والثانية عندما كانت هي الكل في الكل (المُحصل، والمخطط، والمنفذ، والمستثمر)، ومكتب إدارة الدين العام ما هو إلا محاولة تصحيحية لمعالجة تقليدية الوزارة، ونأمل أن يكون عونا في تجاوز تحديات المرحلة الحالية، كما نأمل أن تخرج وزارة المالية من عباءة التقليدية إلى الأساليب المعاصرة في الإدارة والتفكير المالي والاقتصادي.
alofi.m@makkahnp.com