لماذا لا نعتمد التاريخ الهجري بشكل يتناسب مع معطيات العصر؟

ماذا لو جاء أحدهم وقابل شخصا وهو خارج من صلاة المغرب.. وقال له صباح الخير؟ حتما سيهزأ منه وربما يوبخه أيضا!

ماذا لو جاء أحدهم وقابل شخصا وهو خارج من صلاة المغرب.. وقال له صباح الخير؟ حتما سيهزأ منه وربما يوبخه أيضا! ولكن ماذا إن جاء أحدهم وقال له بعد منتصف الليل صباح الخير.. هنا سيكون الأمر مختلفا فربما يجيبه «صباحك نور» وهو ممتلئ سرورا ببداية يوم جديد! رغم أن المغرب جزء من أجزاء الليل.. ومنتصف الليل جزء من الليل أيضا.. إلا أن التسليم بما يقرره المجتمع جعلنا نقبل ونرفض نفس الشيء! جعلنا نقول في الليل صباح الخير! إذا نحن نؤمن بمسلمات ونرمي بالمنطق عرض الحائط.. وقس على ما ذكر سابقا كثيرا من الممارسات.. والاعتقادات. إن ما يزعجني حقا.. هو تبنينا لأشياء نعتقد أننا بممارستها نصبح متحضرين.. حتى وإن كانت خاطئة.. تجد مذيعا في إحدى القنوات يقول لضيفه مساء الخير.. ثم يعتذر عن هذا الجرم بعد أن ينبهه ضيفه إن الساعة أصبحت 12 ودقيقة منتصف الليل.. فيقول متداركا وآسفا صباح الخير.. هكذا نحن تهمنا الشكليات.. دون أن يكون للفكر أي حضور.. فلا بد أن تقول صباح الخير بعد الـ12 منتصف الليل وإلا لأصبحت جاهلا.. لا تمت للعالم المتحضر بصلة.. لماذا لأنك وجدت الناس تقول ذلك.. فأصبحت تقول مثلهم. أليس هذا سببا وجيها..! لتقول صباح الخير في الليل..! ربما أبدو كسفسطائي أتى من بلاد الإغريق يتجول في أثنا.. ليتحدث في أي شيء.. حتى وإن كان تافها في نظر البعض.... أقول يبدو ذلك! إذن اسمحوا لي أن أتجاوز هذه النقطة وأذهب للأصول.. كلنا ندرك أن التقويم عقد اجتماعي.. أي أن له ارتباطا بالحضارة والعادات والدين أيضا.. واليوم هو جوهر هذا العقد وهو وعاء أحداثنا التي نصنعها.. وأعمالنا التي نحاسب عليها إذن كيف نفصل أحداثنا ونأتي بوعاءين لها أحدهما مدني والآخر شرعي؟ كيف يبدأ أول يوم في رمضان بعد المغرب وأول يوم في تعاملاتنا وأعرافنا يبدأ بعد الـ 12 منتصف الليل.. نحن وللأسف كما مارسنا تغريب اللغة نمارس تغريب التقويم.. ولكن كيف!!؟ نحن كمؤسسات وأفراد أقررنا أن بداية اليوم تكون من الساعة 12 منتصف الليل.. وهذا لا وجود له إلا في التقويم الجريجوري والذي أقره البابا جريجوري الـ 13 في العام 989 هـ وهو ما نعرفه اليوم بالتقويم الميلادي.. وهو تاريخ وضعي وينقصه كثير من الدقة فتجد شهرا به 31 يوما وآخر به 29 يوما وهذا خطأ كبير وتنبه بعض العلماء الغربيين له وطالبوا بوضع تغيير تكون به دقة أكبر إلا أن الرهبان رفضوا هذا الشيء لأنه يشكل رمزا دينيا لهم. أيضا من الخطأ أن يبدأ اليوم من منتصف الليل فالمنطق يقول إما أن تكون بداية اليوم من أول النهار أو من أول الليل. أما اليوم في التقويم الهجري فيبدأ من غروب الشمس.. مبتدئا بالليل يعقبه النهار.. حيث إننا على سبيل المثال عند رؤية هلال رمضان نصلي التراويح.. كما أننا نجد في عاداتنا أيضا أن نقول على مساء الأربعاء ليلة الخميس. لماذا لا نعتمد التاريخ الهجري بشكل يتناسب مع معطيات العصر.. أي أن نجعل من المغرب الساعة صفر وتكون هي بداية اليوم الجديد. نلاحظ أن الرهبان تمسكوا بالتقويم الميلادي رغم أخطائه لأنه يشكل رمزا دينيا ونحن تركنا تاريخنا الذي بدأ بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهي بداية تكوين الأمة الإسلامية وتفريق بين الحق والباطل. منذ عهد قريب كانت اليمن ومصر وسوريا ومعظم الدول العربية تؤرخ بالتاريخ الهجري واليوم لم يتبقى إلا المملكة العربية السعودية التي تقر التاريخ الهجري وأراه يتأرجح من عواصف الانبهار بالغرب وأخشى ما أخشى بأن نحذو حذوهم، فتجد كثيرا منا حفظ الشهور الميلادية عن ظهر قلب وبعض الدوائر الحكومية وضعته جنبا إلى جنب مع التاريخ الهجري كما حدث في مصر بداية هجرهم التقويم الهجري. إنه أمر عظيم ويمس العقيدة والهوية كيف لا وهو شعار للأمة الإسلامية تطمس بطمسه أن التقويم الهجري يمثل شخصيتنا العربية والإسلامية وهو ما يميزنا عن الأمم وقد كره الصحابة قديما أن يستخدموا تواريخ الأمم الأخرى فما بالنا اليوم نتفاخر باستخدامنا تاريخا يشكل رمزا للمسيحية! إن ما جعلنا نقر باليوم الميلادي يجعلنا نقر بالشهر الميلادي.. وإني لاحظت ذلك جليا في خطاباتنا وبعض مناسباتنا على الصعيد الشعبي. وصلتني رسالة من صديقي الذي يدرس في بريطانيا يقول فيها إنه قادم في شهر يناير.. وأنا لا أملك إلا معلومة واحدة عن هذا الشهر إنه اسم إله. إذن نريد صياغة جديدة للتقويم.. وأيضا لكتب التاريخ.. التي تعج بالتواريخ الميلادية فلا بد من استبدال ق.م بـ ق.هـ، وأن نفخر بتاريخنا ونعزز استخدامه لدى النشء. إن يومنا الشرعي يبدأ من غروب الشمس.. وبداية اليوم تكون أولا بالليل ثم بالنهار.. هل ننتظر أن يأتي من يقول لنا إن اليوم يبدأ من المغرب.. وأن التقويم الصحيح هو ذلك الذي يتبع الفلك بظواهر واضحة ومرئية للجميع لنقول إن ذلك لدينا من 1400عام. والله سبحانه وتعالى يقول في سورة يونس (﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾) إن أصبت فمن الله وان أخطأت فمن نفسي.