السياحة بين الواقع والمأمول
مع ابتداء مواسم السياحة المعاصرة وتقاطر الناس كأسراب القطا خلف بعض، طائفة تتخذ البلاد الأوروبية متنفساً وطائفة اعتادت على السفر لإندونيسيا وماليزيا لرخص الأثمان وطائفة اتخذت المغرب العربي متنفساً يجمع بين حضارتين، وطوائف أدمنت السفر إلى مصر والشام قبل الحرب وتركيا، ثم جاء العصر الجديد وفتحت السياحة التجارية في دول الخليج العربي وأصبحنا في كل يوم نقرأ ونشاهد ونستمتع بتقريرات سياحية عن بلدان غريبة ومدن مجهولة لدينا ولكنها عامرة بالسكان والتقاليد والتاريخ، ولم يبق بلد آمن في الأرض لم تطأه قدم السياح.
الجمعة / 15 / شعبان / 1435 هـ - 23:00 - الجمعة 13 يونيو 2014 23:00
مع ابتداء مواسم السياحة المعاصرة وتقاطر الناس كأسراب القطا خلف بعض، طائفة تتخذ البلاد الأوروبية متنفساً وطائفة اعتادت على السفر لإندونيسيا وماليزيا لرخص الأثمان وطائفة اتخذت المغرب العربي متنفساً يجمع بين حضارتين، وطوائف أدمنت السفر إلى مصر والشام قبل الحرب وتركيا، ثم جاء العصر الجديد وفتحت السياحة التجارية في دول الخليج العربي وأصبحنا في كل يوم نقرأ ونشاهد ونستمتع بتقريرات سياحية عن بلدان غريبة ومدن مجهولة لدينا ولكنها عامرة بالسكان والتقاليد والتاريخ، ولم يبق بلد آمن في الأرض لم تطأه قدم السياح. أصبحت السياحة ثقافة قائمة بذاتها، فليست هي البحث عن الهواء العليل كما يظنها البعض، فملايين البشر اليوم في العالم من أوروبا وشرق آسيا وغيرها من يتركون بلدانهم ذوات الأنهار الجميلة والغابات الكثيفة والجبال الثلجية ويطوفون العالم للفرجة والترويح عن النفس وزيارة المتاحف والتعرف على معالم البلدان وطرق حياة البشر. ومع بدء كل موسم سياحي يبدأ الناس هنا في مآتم ومناحات للمقارنة بين سياحة الخارج وسياحة الداخل فيتحدثون عن المطارات والخدمات والمنتزهات والفنادق والطرق وغير ذلك، قديماً كان المسؤولون لدينا يصابون ببعض الحرج والضيق فيعدون بتحسينات وخدمات وأنهم سينافسون في السياحة، ولكن المسؤولين أنفسهم أصيبوا ببرود مع مرور الأيام تجاه هذه الأسئلة المتكررة والملحة، واكتشف الأذكياء أن تلك الوعود إنما هي مجرد تخدير موضعي حتى ينتهي موسم الصيف ويعود الناس لأعمالهم فتفترسهم الوظائف والمدارس والأعمال. في عالم يتغير بشكل سريع لا مكان للكسالى فيه، أصبح حجز التذكرة والفندق ومشاهدة مرافق الفندق ومعرفة مطاعم المدن وأسواقها ودفع مبالغ السفر أسهل من شرب الماء فأصبح الأب يرتب مواعيد السفر وأماكن الإقامة وهو جالس مع عائلته في منزلهم عبر شاشات النت، وأصبح المواطن العادي اليوم يتحدث عن حضارات وثقافات زارها وشاهدها ويتأسف لما وصلنا إليه من قصور ونقص . مللنا من تلك المقطوعة الدائمة: إن السياحة لدينا وليدة وتحتاج لفترة لكي تنافس غيرها، لأن الشخص العادي ينظر إلى بعض دول الخليج وقد قطعت أشواطاً متقدمة في جذب السياح إليها مع أنها بدأت في برنامج السياحة بعدنا بمراحل كثيرة. إن المغالطة والتخدير أمر يستطيعه كل إنسان ولكن الحقائق مؤلمة، فهل أسعار شققنا المفروشة المتهالكة تقارن بأسعار الفنادق الراقية في دول العالم في الصيف، وهل البرامج السياحية هي أن تقيم عرضة شعبية أو ملتقيات فكرية أو أدبية جافة، وهل اهتمامنا بالمتنزهات والمناطق المفتوحة وصيانتها في المناطق السياحية يقارن بأي دولة مجاورة لنا ممن عنيت بالسياحة، وهل عوامل الجذب السياحي متوفرة بالفعل؟. صناعة السياحة منظومة متكاملة فهناك طرق ومطارات وفنادق ومطاعم ومتاحف وأسواق وغير ذلك، دعونا لنتحدث عن أهم طريق سياحي في السعودية وهي مصايف الجبال الجنوبية بين الطائف وأبها، حيث لم يشهد هذا الطريق أي جديد منذ أربعين سنة، فهو كما كان، والجديد الوحيد فيه أن وزارة النقل اعتمدت منذ عشر سنوات أن يكون مزدوجاً بعرض مسارين فقط لكل اتجاه وبطول يزيد عن 500 كيلو متر! وحتى هذه اللحظة ما زال الناس يستغربون من ذلك التكاسل والإهمال في إتمام الطريق الذي تحول مصاصاً للدماء البريئة وعدم وجود بديل أو رديف له، وأما المطارات والرحلات والحجوزات فهي معاناة لا تكاد أن تنتهي وكأنه مكتوب عليها الجمود وعدم التطور وملاحقة التطور والحضارة، وأما الأسواق الشعبية التي يفترض أنها أصبحت أحد مقومات السياحة حيث ثقافة المناطق والسكان وعبق التاريخ فها هي تنقرض أو تترك بدون أي تطوير ولم نسمع سوى وعود يسمعها الناس من عشرات السنين وأما المتاحف الكبرى فلا تسأل عنها. كلمة أخيرة: يا صنّاع السياحة الزمن لن يتوقف والعالم يتسارع، وإذا لم نسابق الزمن فإننا سنبقى ننتظر المشاريع التي تمت دراستها قبل ربع قرن وتم ترسيتها قريباً وسنكتشف أنها للأسف لم تعد صالحة لهذا العصر!