الرأي

المساج والمزاج

محمد أحمد بابا
تبدأ نظرة الشرع للذة على أنها أمر متاح طالما التزم معايير ما نصت عليه الأحكام في المنع من بعض الأشياء بخصوصها أو بتوابعها، أي إن المقصد في القواعد الإسلامية مؤسس على فسحة للتأطير والاستكشاف. وعندما نحكي قصة اللذة الفطرية المتعلقة بغرائز نحو الجنس الآخر فالأمر محكوم بقاعدة مقدسة هي (الزواج) ولا مجال أن نخترق حواجز أغلقها الله بحكمته لما يصلح لخلقه. وعلى هذا الأساس الذي أضعه في مقدمة نظري بحساسية كبيرة ومتأنية أجد أن ما ينتج عن (المساج) من مردود استمتاعي ولذة مستجلبة أثناء التعرض له من يد الغير - رجلا كان أو امرأة - ولو بمقصود العلاج وتحريك الدورة الدموية مما يعرفه أهل الاختصاص هو في غاية التعقيد والخلاف إن قصر النظر عند تبرئة النفس. وجلسات (المساج) في صورتها الحالية تشابه أمها: جلسات (المزاج)، ومحترفو هذه المهنة يسلكون ميادين شتى لبناء قاعدة اقتصادية يبيعون الخدمة بالثمن، فهناك (كروت) بها أرقام للطلب، وعيادات متخصصة، وخدمات فندقية، وحسابات تواصل، ومتبرعون يرضون نهمهم (الدراكولي) بأجساد البشر. ولست هنا متجنيا على الفتوى بقدر ما أبحث في عمق المسألة وما يدور في نفس (الممسج) و(المساج)، فلا أتوقع سوءا في أحدهما، ولكنني أجزم بأن أحدا لا يستطيع أن ينكر ما يحصل له من انتشاء ومتعة باطنة في أي من أعضاء جسده ولو كانت عضلات منخريه. وهذا هو (الحكم) في غرابة هذا الأمر في أصل مجتمعاتنا وديانتنا، فلم نسمع عن استفادة شخص من تدليك آخر إلا ما تبيحه عقود الأنكحة، وهذا خارج عن دائرة حديثي هذه. في هذا الوقت أخذ (المساج) أبعادا كبيرة منها الاستجمامي والطبي والنقاهي والترفيهي، ورافق السياحة والسفر والثقافة والتحضر والإتيكيت ليكون عنصرا مهما لدى البعض، وتعدى ذلك في عالم لم يعد ينتظر إذنا في تعامل الرجال مع النساء، ودوامة من الشذوذ لم تقف عند خط الوجود بل واصلت لمرحلة حقوق الشاذين، لتسقط عبارة قديمة درست لنا بأن الشاذ لا حكم له. البعض يشبه (المساج) بالعلاج فهو حلال بل واجب أحيانا، وآخر يقرن (المساج) بالرياضة وهي من محفزات العقل السليم في الجسم السليم، وثالث تخوف وتردد مثلي في تقبل (المساج) فقيل له: بأن نفسه خبيثة ونظرته للناس مبنية على شهوات وغرائز، ورابع يستغرب الحديث عن موضوع كهذا فهناك الأهم. أعذر كلا منهم ووجهة نظره وأجد لنفسي حرية مقننة بما أعرفه وأحاول التفكير فيه بصوت عال عن تمسكنا بكل ممارسة مستجدة ربما في ديننا ما يمنعها، وقد ارتضاه الله لنا وارتضيناه لأنفسنا. وحسبي أن أقول إن كثيرا من الباحثين في علاقة الجسد بالروح خرجوا بأن إعطاء الجسد أولوية ظالمة تجعل الحياة المادية طاغية، يندر معها أن يكون الإنسان بروحه وعقله سياجا منيعا يحمي جسده. والذي وقر في نفسي منذ نقاش بيني وطلابي قبل أكثر من 20 عاما عن (المساج) قاعدة واحدة: (كل لذة حسية مستجلبة بفعل آدمي آخر، في النفس منها شيء، ما لم تكن في إطار زواج له من الخصوصيات قدر). أتوقع أن مع (المساج) وزيوته تسيح مياه الحياء وحواجز الأخلاق وفرضيات النفوس السوية، وتذوب في عضلات المتعبين الفروق بين الخصوصيات والمشاعات، وتجري في أوردة الجسد دماء زرقاء غير التي في الوجوه، ليضطر الباحث عن (المساج) للتواري عن الأنظار، فلربما الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس. وظني أن الثمن دلالة الحق، ومن يدفع رسوم (المساج) سيفكر في اطلاع المستأجرين على عيوب سترها وها هو يفضحها. وهنا أستدرك بأن ما يعرفه الناس من (تدليك وتمريخ) وما شابهه لأجل أوجاع حقيقية أو برا للوالدين ليس مقصودي هنا البتة. baba.m@makkahnp.com