التقاء الثقافات
تكشف روح العصر عن حقيقة طالما اختفت أو أُريد لها أن تختفي وهي أن الثقافات تلتقي وتتناغم، وليس كما يتم الترويج له بأنها تتصارع من أجل بقاء ثقافة ما على حساب تدمير ثقافة أخرى.
الخميس / 14 / شعبان / 1435 هـ - 23:00 - الخميس 12 يونيو 2014 23:00
تكشف روح العصر عن حقيقة طالما اختفت أو أُريد لها أن تختفي وهي أن الثقافات تلتقي وتتناغم، وليس كما يتم الترويج له بأنها تتصارع من أجل بقاء ثقافة ما على حساب تدمير ثقافة أخرى. وفي الحضارة الممتدة كانت هناك تشكلات ثقافية متعددة، بل إن ازدهار تلك الحضارات يقوم على التعددية الثقافية التي مع تنوعها تلتقي على أسس الوعي، لأن كل ما تمتاز به ثقافة ما يكون لبنة تختارها الثقافة الأخرى في بناء كيانها وتشكيل وعيها. ومن المهم أن نسأل أنفسنا لماذا أصبحنا نفقد جمالية الالتقاء الثقافي؟ وأن نكون صرحاء في الوقوف على أسباب الصرعات المفتعلة بين الثقافات، والتي تغذيها العقول السطحية الساذجة، أو العقول التي تفكر بالمؤامرة وتعيش مخاوف الاستلاب وهواجس الحراسة لجدران العزل الثقافي التي أسقطها العالم الجديد؟! كما أن من المهم أن نتساءل عن أسباب التقصير في التواصل الثقافي لا سيما اليوم الذي نعيش فيه أقوى وسائط الاتصال والتواصل، لأن من المؤلم أن يكون الإنسان في عالمنا معزولاً عن ثقافة مجتمع آخر!! هذه الأسئلة تظهر على السطح لأجل النقد البناء ويجب تشجيعها وعقد الحوارات من أجلها، وعدم إهمالها لتتحول إلى أسئلة في الخفاء تهيم بأصحابها إلى أجوبة مفخخة ومدمرة! وعلى طريق الحل والتوجه نحو مستقبل أفضل وأجمل فإن التعليم والإعلام يحملان مهمة التغيير والتحول نحو الوعي الإنساني المشترك. فالتعليم يجب أن يتحول في كل مراحله من بناء الأيديولوجيا المفخخة في عقول الطلاب والدارسين عبر الثقافة الدينية أو التاريخية أو المجتمعية إلى الكشف عن الحضارات القديمة والمعاصرة والأسباب التي أدت إلى تشكلها وازدهارها والقواسم المشتركة فيها وكيف يمكن الإفادة منها وتطويرها. كما على الإعلام أن يتواصل باحترافية تعي روح العصر وتقنياته للوصول والتواصل مع كل الثقافات، وأن يقدم حضارتنا العربية والإسلامية كما هي في حقيقتها وليس كما هي في الخطاب الشعبي أو الذاكرة القتالية الحربية والصراعية. وحين نقارن مخرجاتنا التعليمية والإعلامية مع كوننا مهد الحضارات وأرض النبوات نجد أن الأمر مخجل لنا ولا يقدم للآخر شيئاً يحكي حقيقة ما حصل على هذه الأرض من الأمجاد والحضارات والثقافات، وإذا كان هذا ما نفعله بتأريخنا فإنه السبب في كوننا لا نمتلك في تعليمنا وإعلامنا ما نستشرف به مستقبلاً حضارياً وثقافياً يلتقي مع حضارات وثقافات العالم اليوم إلا اتهامها بالعدوانية والمؤامرة والتكالب علينا، وتقديم ذواتنا للوجود من خلال دور الضحية الذي يسترحم عدوه الافتراضي من أجل العيش على فتاة منتجاته الاستهلاكية. إن وعيا سياسيا ودينياً وتعليمياً ومجتمعياً يجب أن يحصل منسجماً لقراءة واقعنا الثقافي وإعداد رؤية للنهضة الثقافية المتعددة والمتنوعة التي تلتقي بوعي على الركائز الإنسانية من الاحترام الديني والمجتمعي، وعلى الركائز الوطنية التي يتشكل منها النسيج الوطني الذي يؤسس لتنمية واعية وواعدة لحاضر يزهر ومستقبل يكتشف معالم السير في حراك عالمي يشارك في مركز الحياة وليس على هامشها الاستهلاكي. وأرجو أن يكون ذلك قريباً لأن ما نحن فيه لا يرضي الحقيقة التي نستحقها ونطمح إليها، والتي تجلت للعيان من خلال تواصل الجيل الجديد مع عالمه الجديد.