الرأي

كيف تبحث عنك الوظيفة؟

دبس الرمان

هبة قاضي
عاد من الابتعاث بأفكار لا تعد ولا تحصى، وبحماسة شديدة للعطاء والبذل وإثبات الذات. كان واعيا بما يقال عن ندرة الوظائف وشح الفرص، ورغم ذلك كان واثقا من نفسه وإمكاناته، ورفض أن يشعر بالإحباط وأن يقبل على مرحلة جديدة في حياته محملا بالأفكار السلبية التي قد تعمي البصيرة وتحد الأفق. استخدم ذكاءه الاجتماعي في الوصول لأحد المسؤولين الكبار في المجال الذي يرغب العمل فيه، والذي رحب به بشدة وأثنى على شجاعته ومبادرته، ومن ثم حوله للمسؤولين لمتابعة موضوعه بشأن العمل ضمن منظمتهم ليدخل في سلسلة من المقابلات الشخصية والهاتفية التي اتسمت بالتحدي واستثارة الأعصاب، والتي أعقبها الإيحاء بالقبول ورسالة نصية أننا ما زلنا في طور المقابلات وسنعود لك بالرد قريبا، وآخرها صمت طويل لا معنى له ولا تفسير. مع بداية العام الجديد تتكشف بيوتنا عن شباب وشابات أنهوا مراحلهم الدراسية وأتى العام الجديد ليسائلهم عن حياتهم وماذا يفعلون فيها. فما بين مخرجات جامعية لتخصصات غير مطلوبة في سوق العمل، وما بين مخرجات أخرى لا تجيد من تخصصاتها إلا بضعة مصطلحات نظرية لا علاقة لها بالتطبيق العملي على أرض الواقع. طبعا بالإضافة للمناخ السلبي الجميل الذي نبدع في حبكه وقصه وتسميم عقول نشئنا به عن شح الفرص وضيق العيش وصعوبة الحياة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية. قمنا بخنق الأمل في شبابنا وشاباتنا، بل قمنا بذبح مقدرتهم الطبيعية على التكيف مع الظروف واستنباط الاحتياج وصناعة الفرص المتناسبة مع زمانهم. عزيزي الباحث عن وظيفة أحب أن أنوه إلى أن العالم تغير وطريقة التوظيف تغيرت، فمع التقدم التكنولوجي المتسارع والانفتاح العالمي المستطرد أصبحت الشركات في صراع دائم للبقاء، لذا لم تعد هناك حاجة لنموذج الموظف المطيع، الشديد الانضباط، والذي يؤدي ما يطلب منه بدون سؤال، بل الحاجة الآن لنموذج المفكر، المبادر، الذي يستطيع خلق شيء من اللاشيء، والذي يمتلك موهبة تحويل الاحتياج والموهبة لحراك ومنتجات وفرص اجتماعية وتجارية. ذلك النموذج الذي يعي نقاط قوته ويعرف كيف يستثمرها ليصنع القيمة، الفائدة، وربما يفتح مجالا جديدا لم يكن موجودا من قبل. هذا النموذج هو الذي تتهافت عليه الشركات لتوظيفه، لأنه أثبت نفسه كفرد، والآن هم واثقون من القيمة التي سيضيفها لهم. وحينها ربما يكتشف أنه لم يعد يرغب بالتوظيف، وأنه يمتلك القدرة على الاستمرار وبناء كيان بنفسه، بل وفتح المجال للآخرين معه. وهنا يكون قد استحق عن جدارة رفاهية حرية الاختيار. heba.q@makkahnp.com