هل توقف التداعيات الإقليمية تصدع إسلاميي السودان؟

فرضت التداعيات الإقليمية على إسلاميي السودان التفكير مليا في رأب التصدعات التي ضربت تنظيمهم بقوة، وقسمته إلى مجموعات متناحرة فيما بينها، بعضها أصبح جماعة حاكمة والأخرى معارضة ومسلحة

u0628u0634u064au0631 u0631u062du0645u0629

فرضت التداعيات الإقليمية على إسلاميي السودان التفكير مليا في رأب التصدعات التي ضربت تنظيمهم بقوة، وقسمته إلى مجموعات متناحرة فيما بينها، بعضها أصبح جماعة حاكمة والأخرى معارضة ومسلحة. وأبرز تلك التحديات الإقليمية تمثل في سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي، مما دفع إسلاميي السودان إلى تلقف الدعوة إلى الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس السوداني عمر البشير والسعي إلى إعادة لملمة صفوفهم من خلالها. وكانت مجموعة من العوامل أدت إلى تصدع إسلاميي السودان، خصوصا بعد تحول تنظيمهم الإسلامي إلى حزب حاكم. وقادت النقلة غير المتدرجة وسط كوادر الإسلاميين إلى الصراع حول السلطة وبالتالي تصدع الجماعة لمجموعات متناحرة لم يستطع مشروعهم أن يوحدهم في تنظيم واحد ومتماسك على مستوى البلاد. إلا أن لم الشمل بعد التداعيات الإقليمية الأخيرة، أصبح الهم الأول والأخير للجماعة، من خلال التوافق مع مكونات المجتمع السوداني السياسية في مشروع وطني توافقي لحلحلة قضايا السودان بالقدر الذي يضمن عدم إبعادهم وإقصائهم من المشهد السياسي في إطار حوار وطني جامع. والآن تبذل الجماعة جهودا حثيثة في محاولة للتماسك والتكتل والاصطفاف مجددا لمواجهة العاصفة الإقليمية، في خطوة استباقية لإصلاح البيت الداخلي للإسلاميين من أي حراك ثوري يقتلعهم من الجذور. وكانت الحركة الإسلامية في السودان، دخلت عبر البوابة المصرية عبر تكوين تنظيم للإخوان المسلمين في السودان مرتبط بالتنظيم الدولي ويسير في خطاه بمسمياته وتراتبيته الإدارية والتنظيمية. وشهدت الجماعة أول انشقاق لها بقيادة دكتور حسن الترابي ليكون مجموعة تنطلق من أرضية أفكار الإخوان ولكنها مستقلة تماما من حركة الإخوان العالمية، وشكل ما عرف بـ”جبهة الميثاق”، التي تم حلها لاحقا ليكون الاتجاه الإسلامي والذي تطور في مرحلة ما بعد جعفر النميري، وشكل الترابي عقب الانتفاضة تنظيما إسلاميا جديدا باسم الجبهة الإسلامية القومية التي خاضت انتخابات 86 الديمقراطية الثالثة في السودان. وبعد انقلاب الرئيس عمر البشير شكل الترابي والبشير حزب المؤتمر الوطني باعتباره الواجهة السياسية الجديدة لإسلاميي السودان. وكان البشير يشغل رئاسة المؤتمر الوطني، فيما يشغل الترابي منصب الأمين العام. ولاحقا انشق الترابي من المؤتمر الوطني ليشكل حزب المؤتمر الشعبي. ومن داخل رحم الشعبي انشقت مجموعة من الإسلاميين من أبناء دارفور ليشكلوا حركة العدل والمساواة الدارفورية المسلحة. وفي تطور لاحق انشقت مجموعة جديدة من داخل حزب المؤتمر الوطني، وهو آخر انشقاق كبير يشهده حزب البشير بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين العتباني مستشار رئيس الجمهورية السابق، ليشكل حزبا جديدا باسم حركة الإصلاح الآن. وهناك مجموعات أخرى صغيرة منشقة من المؤتمر الوطني شكلت أحزابا صغيرة. وكل هذه التيارات لم يستطع فكر الإخوان أن يوحدها داخليا، فهل يصلح الحوار الوطني والتداعيات ما أفسده الدهر؟

عويس: منازعة العمائم

 قال المحلل السياسي خالد عويس إن طبيعة قيادة الجماعة الإخوانية في السودان، متمثلة في الدكتور حسن الترابي، حتمت الانشقاق المبكر، ليس على جماعة الإخوان السودانية فحسب، وإنما حتى التباعد عن الجماعة الأم - المصدر في مصر. فالترابي الذي عاد مزهوا بدكتوراه من جامعة السوربون الفرنسية منتصف الستينات، ما كان ليسمح، وهو يصعد إلى القيادة مسلحا بذكاء بالغ وعقل استراتيجي وذهنية فيها قدر كبير من الاستعلاء المعرفي، إلا أن ينازع “العمائم” التقليدية في الخرطوم والقاهرة على القيادة، مخططا لمشروع الاستيلاء على الدولة السودانية، ضمن خطة أكبر للتأثير على المنطقة كلها، بل والعالم. وأضاف: فهو لطالما رأى أنه أكبر من السودان، وأن جميع قيادات حزبه هم بيادق يحركها أنى شاء، ومن أبى نال منه بسخرية بالغة.  ويضاف إلى ذلك، الأرضية الفكرية الهشة لجماعات الإسلام السياسي قاطبة، فالمشروع يتجاوز حدود الأوطان ليهيم في فضاءات دولة الخلافة، في تداخل مزر بين التاريخ وواقع لم يحسنوا قراءته، والأعمدة الفكرية هي محض شعارات لا تلبث أن تتحطم على صخرة الواقع، ومفهوم الدولة ذاته غائب، كما هو حال التحديد المصطلحي للشريعة والحكم والعدل وغيرها من المفاهيم التي تظل معلقة في الهواء لدى الإخوان لغياب المرجعية الفكرية الحقيقية لديهم، وهي تستحيل إلى شعارات عريضة تدغدغ مشاعر البسطاء وأحلامهم في العودة إلى دولة الصحابة، إنما دون دفع استحقاقاتها الفكرية التي تتماشى مع العصر من خلال اجتهاد حقيقي.

شوقار: ليس لنا علاقة بإخوان مصر

نفى رئيس حركة تحرير السودان الدارفورية والأمين السياسي السابق لحركة العدل والمساواة الدارفورية آدم علي شوقار ارتباط حركة العدل والمساواة بمصر، وقال كنت مسؤولا عن مكتب الحركة في مصر إبان عهد الرئيس السابق حسني مبارك وعمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية وليست للحركة أي علاقات بالمعنى الدقيق مع مصر والحركة لم تكن لها علاقة بإسلاميي مصر، لأن معظمهم في ذلك الوقت كانوا في السجون وبعد خروجي من الحركة ذهب نظام مبارك وقدوم الرئيس الإخواني محمد مرسي الذي الذي استعجل لعملية تمكين الإسلاميين في مصر، الأمر الذي عجل بذهابه وبالتالي كانت هناك اتصالات بين جميع الحركات الإسلامية في المنطقة بنظام مرسي وتنظيمه الإخواني. وقال: أنا مسلم ولست إسلاميا، انضممت إلى حركة العدل والمساواة التي خرجت من عباءة الإسلاميين، في إطار المقاومة الدارفورية، وعندها احتككت بالإخوة في حركة العدل والمساواة من منسوبي الحركة الإسلامية “إخوان السودان” بمختلف مسمياتهم “جبهة الميثاق الإسلامي”، “الاتجاه الإسلامي” “الجبهة الإسلامية القومية”، “الحركة الإسلامية” إضافة إلى المؤتمر الوطني وانشقاقاته كالمؤتمر الشعبي والعدل والمساواةوأضاف: زعيم حركة العدل والمساواة الدكتور خليل إبراهيم كان إسلاميا، وكثيرون كان يتهمون الحركة بأنها جناح عسكري للمؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الترابي، لكن ما أعرفه أن خليل إبراهيم إسلامي من الطراز الأول، لكنه لم يكن من أتباع الترابي بأي حال من الأحوال، بل كان يتطلع إلى قيادة جديدة للحركة الإسلامية بأسلوب مختلف. وتابع: في تقديري أن الإسلام السياسي بصورة عامة والاستقطاب السياسي في السودان خلال الفترة الماضية، كان حادا جدا ما بين العلمانيين والإسلاميين واللبيراليين والشيوعيين وغيرهم، وإبان الفترة الدراسية بالجامعة، كنت رئيسا لرابطة الطلاب المستقلين خلال دورتين بجامعة أم درمان الإسلامية، ومع ذلك كنت أمينا سياسيا لحركة العدل الدارفورية ولا أؤمن أن هناك إسلاميين ومسلمين غير إسلاميين، لذلك اعتقد أن المجتمع المسلم واحد في مختلف البلدان الإسلامية. وكشف شوقار عن سرية العمل التنظيمي للإسلاميين داخل حركة العدل والمساواة الدارفورية، وقال: كنت الأمين السياسي للحركة ولكن كنت غير ملم بكثير من التفاصيل السياسية للحركة واجتماعاتها السرية واقتصارها على كوادر الإخوان المسلمين، وهو تنظيم سياسي اجتماعي عقدي يخدم أجندة الإسلاميين لتمكين حكومة الإنقاذ، لافتا إلى أن السودان اليوم يشهد تطورات حديثه في مستوى الفهم ومواكبة التطورات على صعيد الحركة الإخوانية، خاصة في ما يتصل بعملية إقصاء الآخر، ومبادرة رئيس الجمهورية عمر البشير للحوار الوطني دليل دامغ على تطور الذهنية الإخوانية، وفي تقديري أنها خطوات متقدمة من الجماعة تجاه القبول بالآخر وإصلاح الأوضاع ونحن نستبشر خيرا. وكشف شوقار عن ارتباط حركة العدل والمساواة الدارفورية بالحركات الإسلامية في المنطقة سواء كان في مصر أو الأردن والدوحة وغيرها، ولكن أعتقد أن الاتجاه العام الآن في السودان الترفع لقامة الوطن أكثر من قامة التنظيمات السياسية الضيقة، وفي تقديري فإن هذا الاتجاه يخدم عملية السلام والاستقرار في البلاد، وإخراج السودان من دائرة المجموعة الضيقة المسيطرة على السلطة والمال إلى رحاب أفضل وأكثر اتساعا.

تغير مسار العدل الدارفورية

وقال شوقار إن انضمام عناصر ثورية دارفورية في 2009 إلى حركة العدل والمساواة الدارفورية من خارج تنظيم الإسلاميين أسهم في تغيير المعادلة داخل صفوف الحركة المتمردة. وأضاف: شكلت المجموعة التي انضمت إلى حركة العدل لاحقا نحو 70% من كادر الحركة السياسية والمقاتلة من أبناء حركة تحرير السودان مما أسهم في تغيير التوجه الأيديولوجي للحركة، وانضمامنا للحركة كان غير مقيد بانضمامنا المسبق لتنظيم الإسلاميين في السودان، وكانت نتيجة التوجه الجديد للحركة بفتح الباب أمام كافة الدارفوريين بمختلف توجهاتهم العقدية أدى إلى تخلي العدل إلى نهجها الضيق والمستمد من تنظيم الإسلاميين، ولكن هناك مجموعات من الإسلاميين داخل الحركة ظلت متمسكة بأهدافها وبرامجها، وهذه المجموعة من إسلاميي العدل والمساواة قد تكون لها اتصالاتها الدولية والإقليمية، ولست على علم بخططهم السرية.

أبو: تخلت عن القيم مقابل السلطة

قال رئيس كيان الأنصار في السودان عبدالمحمود أبو إن الحركة الإسلامية كانت حركة إصلاح إسلامية بذلت مجهودا كبيرا في إعمار المساجد وتهيئة الشباب للالتزام بالإسلام، ولكنها رفعت من السقف السياسي وجعلت الوصول إلى السلطة هدفا أسمى لأنها عدّّت نفسها لا تستطيع عبر طريق الإصلاح المجتمعي، أن تحقق المجتمع الذي تريده، وبذلك جعلت الوصول إلى السلطة هدفا أساسيا وتخلت في سبيله عن كل القيم والمبادئ الإسلامية، لأن النظام السياسي في الإسلام معروف وهو يقوم على الشورى والعدل والمساواة، فهي في سبيل الوصول إلى السلطة تخلت عن هذه المبادئ. وهناك أمر آخر، هو أنها دربت كوادرها على حفظ القرآن والسنة النبوية والقضايا الفقهية ولم تهتم بموضوع التزكية للنفس، أي أنك تجرد النفس من شرورها وكما تصبر على البلاء تصبر على النعمة..وإغفال جانب التزكية أثر تأثيرا كبيرا خصوصا عندما وصلت هذه الحركة إلى السلطة بوسائل غير مشروعة. وقبل الوصول إلى السلطة كان بعض المنتمين إليها قد انفصلوا عنها، وأصبح العدد الأكبر بقيادة الشيخ حسن الترابي هو الذي جعل السلطة المحور الأول..وبعد وصولهم ضعفوا أمام مغريات بريق السلطة وأموالها، وبالتالي حدثت هذه الانشقاقات كلها، وبذلك أعتقد أنها تخلت عن فرائض الإسلام السياسية المتمثلة في الشورى، والعدل وتطبيق الشريعة الإسلامية، كما تخلت عن الهدف الأسمى لوحدة الأمة الإسلامية، فأصبحت تعلي من قضية التمكين لأعضائها، حتى أولئك الذين ينتمون إليها ويتحدثون عن الالتزام بالإسلام، وجدوا أنفسهم بعيدين. الإعلاء من شأن السلطة، وإغفال جانب التزكية، ومغريات السلطة، هذه العوامل كلها أدت إلى انشقاقات في الحركة الإسلامية فأصبحت لا طعم لها ولا رائحة وأصبحت حركة همها الصراع حول هذه السلطة بأساليب لم تراع القيم الإسلامية، إنما أساليب مستقاة ومأخوذة من النظم الوضعية، وبذلك وصلت بالسودان وبالإسلام إلى هذه الحال التي يتندر عليها الجميع. واستبعد أبو إمكان قدرة مشروع الإسلام السياسي الذي تبنته جماعة إخوان السودان في توحيد الدولة السودانية، مؤكدا فشل مشروعهم السياسي في حل المشاكل المجتمعية. وقال: مشروع إخوان السودان مزق الدولة، لأنهم أعطوا أنفسهم الاصطفاء، وتعاملوا مع الجماعات الإسلامية الأخرى بالعزل والشيطنة والتخوين، كما أن مشروعهم أثبت عمليا أنه غير قادر على توحيد صفهم الداخلي، ومن باب أولى أنه لا يستطيع توحيد الأمم الأخرى، وبذلك أصبح من الناحية العملية مشروعا فاشلا ويحسب عليهم وليس على الإسلام لأن الإسلام صالح بقراءة جديدة وواقعية، ومشروع الحركة الإسلامية في تقديري وطرحها السياسي أصبحا بلا جدوى في الوقت الحالي.

رحمة: تغييب الحريات مصيره الفشل

رأى مسؤول العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر الشعبي بشير آدم رحمة أن تصدع إخوان السودان أو الاختلافات في الحركة الإسلامية في السودان، سببه الرئيس السلطة لأن وجهة النظر مختلفة حول السلطة. فهناك من ينادون بالحريات وأن تكون السلطة شورى ديمقراطية، فيما يريدها آخرون ديكتاتورية، إضافة إلى غياب الحريات، وبالتالي غياب المنافسة. أعتقد أن المشكلة الأساسية هي الوصول إلى السلطة عبر طريقة غير ديمقراطية هي طريقة الانقلاب العسكري التي استدعت تغييب الحريات، وعدم وجود الحريات أدى إلى اختلاف وجهات النظر، وبذلك بدأت التصدعات في الحركة الإسلامية. وهل فشلت تجربة الإسلاميين في حكم السودان وفشل مشروعهم في توحيد الإسلاميين أنفسهم بالحد من تمددهم إقليميا؟ أجاب رحمة: لا أعتبره فشل التجربة، بل إن أي نظام لا يعمل بحريات سيفشل..وإذا تتبعنا مسيرة التاريخ الحديث نجد أن غياب الحريات ينتهي بانهيار النظام كما حصل في الاتحاد السوفيتي ونظام هتلر. النظام الديكتاتوري قد يستمر لسنوات بفضل الكبت والقهر، لكنه لا محالة سيزول. أما النظام الديمقراطي فسيبقى لأنه يشهد تداولا سلميا للسلطة، والشواهد كثيرة.