الطفل يعود عند مناطق الشغب
الجمعة / 13 / محرم / 1438 هـ - 19:30 - الجمعة 14 أكتوبر 2016 19:30
يبدو أن الإنسان مهما يكبر، ومهما يزداد ثقافة، ومهما تتسع مسؤولياته، ومهما يتفرع منه من أبناء وأحفاد يظل يستحلي عودة الطفولة لحاضره في كل لحظة تسنح له بمداعبة براءتها وشقاوتها، وعدم التزامها بالمنطق والعقل والتوازن.
أغلبية كبار السن يتفقون على أن ملاك الطفولة يعيدهم إلى نفس أحجامهم الصغيرة، وبنفس أفكارهم، وبنفس تنافسهم، وعنفوانهم ومشاغباتهم.
وفي أي مجتمع مهما تكاملت مظاهره وبهرجته وقوانينه، وما إن يجد الشخص الكبير أنه يجلس بين زملاء الدراسة «الطفولية»، إلا ويتناسى كل «الهيلمان»، وينزع الحذر والتأنق في الكلام، وبسرعة تجده يعود طفلا تشعل حماسه كلمة، وتطلق شياطين شقاوته حركة، يعود معها للزمان الماضي، دون استئذان، ولم لا، وهو ينظر لمن حوله من كبار السن، فلا يرى فيهم غير أطفال صغرته يتحفزون للنيل منه بكلمة، أو مزحة، أو ربما بمقلب طفولي كان قد حصل في الزمان البعيد، وقد آن للعين والقلب والحال أن تستعيده كما حصل في ذلك العهد، وبنفس الألقاب والاتهامات.
الكبير عندها لا يتحكم بما يحدث، وعلى حين غرة يخرج الطفل من جوفه، ودون وعي منه يعود ببساطته، وينسف الوجود الحالي المعقد المركب على كاهل الأكتاف وعلى شرايين القلب المتصلبة، وعلى الركب الموهنة من أحمالها، وروحه التي تنوء من ثقل حمل وقاره، ورسميته، وزيفه.
لقاء عاصف يتم بين الماضي وبين الحاضر، غير أن الزمنين لا يتقابلان بالكامل، فما إن يحضر الماضي حتى يذوب الحاضر، ولو حدث وتحجر أو تجبر، أو أنكر الحاضر وجود الماضي الطاغي فسرعان ما تتحطم الصور، وتشوه المعاني، ويسود الكذب والتجمل على واهن الكيان الذي يرفض أن يعود للطفولة، ويتمسك بكل قواه العقلية بلحظات الوجود الحالي الذي ينفي عن حاضره أي قصور، وأي براءة، وأي غلطات، كانت مقبولة منه بشكل أو بآخر في الماضي، وهي اليوم تحتاج منه للنكران، لكيلا يدفع الثمن، ولا يكسر رونق الحاضر المتأنق.
وبصرف النظر عن الحال المرتسم، فلا شك أن من يستطيع إحضار الطفل من داخله يعتبر محظوظا بأن وهبه الله الظرف، والزمن، والصديق، ومن خلالها جميعا يتمكن من ذلك، فيكسر روتين الحاضر، وينفس عن حدة كاهله ومقامه عقودا من الزمان، وبأعين منهكة، تبحث عن انطلاقة حرة للسعادة، لا تقيدها الظروف.
يضحك من جوف قلبه، يحلم بماضيه، يتكلم دون محاذير، يطلق خياله الطفولي للفضاء، محملا بالأمل، والحب، والصدق، ولا يحرص على مكان أو زمان استعادته.
وحتى الأخصائي النفسي لن يكون قادرا على إيصاله لحقيقة ما بجوفه، مهما فعل، فهو اليوم صادق مع ذاته، ولو لدقائق، يتخلص فيها من كومة الهموم، ويغسل قماش النفس بين شلالات ينابيع الصفاء.
المشكلة أن البعض لا يعرف متى ولا أين، ولا مع من يخرج الطفل من جوفه، وبالتالي فهو يجده ناقص المشاعر، مختلا، لا يتمكن من تنفيس ما بصدره، ويترك الأضرار تلاحقه، بين من لم يعرفوه في طفولته، وممن سيشكون في مقدراته العقلية، ومدى نضجه العقلي والنفسي.
تعلموا كيف تخرجونهم من أجوافكم بكل براءتهم، حينما تجدون أين ومتى، وتمتعوا بوجودهم، الذي يطيل العمر بالسعادة الكامنة بالروح.
shaher.a@makkahnp.com