من مدح الخويطر ذمّ غيره
في كتابي «الضيافة عند العرب» ذكرت أن العرب ليسوا أهل كرم وجود كما تصفهم الروايات التي تنقلها لنا كتب المؤرخين، ولكنهم بمجملهم بخلاء،
الثلاثاء / 5 / شعبان / 1435 هـ - 23:00 - الثلاثاء 3 يونيو 2014 23:00
في كتابي «الضيافة عند العرب» ذكرت أن العرب ليسوا أهل كرم وجود كما تصفهم الروايات التي تنقلها لنا كتب المؤرخين، ولكنهم بمجملهم بخلاء، وحجتي على ما أقول أن الشعراء والمداحين يثنون كثيرا على من نحر جزورا في مسغبة أو أطعم ضيفا وجبة، وأن من فعل ذلك منهم قليل جدا، إذا قورنوا بعدد العرب الكثير حتى أصبح واحد منهم فقط هو حاتم الطائي أيقونة الكرم، ولو كانوا كرماء كلهم أو حتى أغلبهم كما تقول الروايات لما بالغ المداحون بالعدد القليل الذي اتصف بالكرم والجود، وأفرغوا في مدحه قرائحهم، فالمبالغة وتعظيم الفعل لا يكون إلا حين يكون المقدمون عليه قلة أمام الكثيرين الذين لا يتصفون بالفعل ولا يقدرون عليه. ذكرني ما قلت في كتابي وقد مضى على نشره ربع قرن ما فاضت به أقلام أصدقاء معالي الشيخ عبدالعزيز الخويطر رحمه الله فقد أجمعوا على صفة واحدة فيه وهي النزاهة وأمانته وحفظه لما تحت يده من المال العام وكرروا ذلك في كل ما كتبوا. وجه المفارقة في الموضوع أنه قد سبق الدكتور عبدالعزيز الخويطر إلى الدار الآخرة عدد كبير من أصحاب المعالي الوزراء وكبار التنفيذيين في الدولة منذ تشكيل أول وزارة قبل خمسة وستين عاما إلى يومنا هذا. كلهم ماتوا أو أكثرهم وعند وفاة كل واحد منهم تفيض عواطف المحبين له والمحيطين به والقريبين منه وحتى البعيدين عنه الذين قد يكون ساعدهم في عمل أو قضى لهم حاجة وما أكثر ما يحتاج الناس لأصحاب المعالي موظفي الدولة لمساعدتهم وقضاء ما تيسر من حاجاتهم، ومثل ذلك كتب الكتاب في الصحافة وأصحاب القلوب الرقيقة والصديقة كل ذكر فضائل أصاحب المعالي وإنجازاتهم ومفاخرهم ومآثرهم وما قالوا وما فعلوا في حياتهم لقومهم ومجتمعهم ومن طبيعة أهل الرثاء الزيادة والإكثار من المآثر. ولكنني، وأعوذ بالله من لكن، لم أجد من وصف واحدا منهم بصفة النزاهة ولا صفة العفاف عن المال العام ولا المحافظة عليه، وإغفال هذه الميزة لا يعني أن المرحومين من السابقين لم يكونوا كذلك، لقد مدحوهم بكل الفضائل الإنسانية، ذكروا إخلاصهم وجهادهم واجتهادهم وما قاموا به من عمل وما قدموا من إنجاز إلا النزاهة والحرص على حفظ المال العام فلم يذكر واحد منهم هذه المفردات في بكائياته عليهم رحمهم الله وعفا عنهم جميعا، وقد قرأت الكثير من مراثي القوم عند نشرها وعدت لبعضها عند كتابة هذا المقال ولم أجد شيئا يشير إلى النزاهة ولا شيئا يتحدث عن حفظ المال العام في سيرهم. وأنا، وأعوذ بالله من الأنا، لا أتهم أمانة أحد ولا عفافه ولا ما فعل وصنع ومعاذ الله من ذلك، ولكن المقابلة عندي هي التي لفتت نظري كيف نسي هؤلاء أهم ما يجب أن يتحلى به الموظف العام لا سيما في العالم الثالث الذي لا يخاف المسؤولون فيه إلا الله والأثر يقول: أنتم شهداء الله في أرضه. فقد شهد للخويطر الجمع العرمرم من الناس بهذه الخصال التي عرفوا أن الرجل التزم بها، فأين ذهبت شهاداتهم لمن سبقه من أمثاله وزملائه؟. هذا الغياب في مراثي السابقين لذكر خصلة هي أول ما يجب على من تولى أمرا عاما للناس أن يرثى بها ويمدح إذا كانت من سجاياه وأعماله، وغيابها هو ما لفت النظر وما استحق هذا المقال فسامحونا.