تربية وتنشئة موهوب
الأربعاء / 11 / محرم / 1438 هـ - 18:45 - الأربعاء 12 أكتوبر 2016 18:45
من الذين آمنوا بأن الموهبة يمكن أن توجد وتبنى وتشكل هو «لازلو بولقار». بولقار، وهو أخصائي نفسي من بلغاريا، ألف كتابا في أوائل التسعينات الميلادية أسماه «Bring Up Genius» «تربية عبقري». نظريته كانت تقوم على أن باستطاعة أي طفل أن يكون عبقريا إذا وجد التدريب والتوجيه اللازم. بولقار كان يؤمن بنظريته جدا حتى إنه قام بتجربتها على أبنائه.
بعد إصدار الكتاب أعلن في الصحف عن رغبته تلك وطلب أن تتقدم السيدة التي ترغب في مشاركته هذه التجربة ليتزوج منها! وبالفعل تقدمت «كلارا» وتزوجا ورزقا بطفلة اسمها «سارة». سخر الوالدان حياتهما لتدريب وتعليم سارة «الشطرنج» وعندما رزقا بابنتين بعدها استمرا على نفس المنهج. بدأ تدريب الفتيات الفعلي على الشطرنج من عمر 4 سنوات. لم يكن أي من الوالدين بارعا في الشطرنج، ولكن جمعا في مكتبتهما ما يقارب 10 آلاف كتاب عن الشطرنج والنتيجة أنه في عمر سبع سنوات، أصبحت سارة أول امرأة تتمكن من التأهل لبطولة العالم للشطرنج والتي كان يطلق عليها وقتها «بطولة العالم للرجال» لأن الاعتقاد السائد حينها هو أن المرأة ليست لها القدرة الذهنية على التنافس مع الرجال في هذا المجال.
عندما كان عمر سارة 19 سنة، كان كل من أختيها صوفيا (14 عاما) وجوديث (12 عاما) مؤهلتين لدخول الأولمبياد، واستطعن في تلك السنة الفوز بالميدالية الذهبية للمرة الأولى في تاريخ هنقاريا والتغلب على الفريق الروسي الذي لم يكن له منازع في الشطرنج، وبذلك أصبحن أبطالا قوميين. أيضا في عمر 15 سنة استطاعت «جوديث» أن تحصل على لقب «Grand Master» «المعلم الأكبر» في رياضة الشطرنج كأصغر شخص يحصل على هذا اللقب من كلا الجنسين.
الذي تظهره قصة عائلة بولقار هو أنه باستطاعة أي شخص أن يصل إلى درجة الأداء العالي والإتقان والموهبة وأنه لا مكان للجينات فيها. فمن العشرين ألف جين المعروفين الآن لا نعرف بينها جين القولف أو جين الشطرنج أو جين المحاسبة. والخلاصة هو أن الموهبة ليست صفة وراثية يولد بها الإنسان، كما أنها غير مرتبطة بالخبرة أو الذكاء العقلي IQ.
التدريب الموجه للتحسين
العامل المشترك بين المبدعين والموهوبين في المجالات المشتركة هو التدريب ولكن ليس بالمفهوم السائد عندنا والذي يشمل عادة تكرار العمل ذاته مرة تلو الأخرى.
قد يخطر في ذهن القارئ الآن تساؤل وهو أنه للتو تحدثنا عن أن الخبرة وتكرار العمل نفسه لا يوصلان بالضرورة إلى الأداء العالي، بل بالعكس أحيانا، والآن نتكلم عن أن العامل المشترك بين كل الموهوبين هو بذل الجهد والتدريب، فما الفرق؟
الفرق يكمن في الذي يسميه الكاتب «Delibrate Practice» والذي أعتقد يمكن أن يترجم إلى «التدريب الموجه للتحسين»، وهو نشاط مصمم خصيصا
لتحسين الأداء في جانب معين من عمل معين. هذا التدريب الموجه لا يشمل فقط التدريب الجسدي ولكن كذلك التدريب الذهني والذي يشمل التفكير في الذي تقوم به، ودوره في إيصالك إلى ما تسعى إليه، كما يشمل تكوين خارطة معرفية عن ذلك التخصص أو المجال. وجود البعد الذهني والتفكيري في كل مرة تقوم بها بعمل ما يضاعف استفادتك من تلك التجربة، فمن تعليمات أحد أشهر المدربين «قم بتدريب يديك على عمل ما وستحتاج الى يوم كامل، استخدم عقلك وفكرك في ذلك التدريب وستكفيك ساعة ونصف».
مما يروى عن سيدنا خالد رضي الله عنه أنه كان عند مروره بالأودية والتلال في ترحاله كان كثيرا ما يفكر ما هي أفضل الطرق للهجوم في هذا الوادي وأيها أفضل للكمين. وإذا ما باغتهم العدو بالهجوم فأي الأماكن أفضل لتوجيه المعركة. هذا البعد يتجاوز «المعرفة» والتي سنتكلم عنها بعد هذه النقطة.
«Cognition» أو «المعرفة» تطلق على التحليل العقلي للمعلومات التي عندك ومعرفة كيفية استخدامها، بينما الذي نتحدث عنه هنا يطلق عليه الباحثون والمحللون النفسيون Meta Cognition «ما بعد المعرفة» وهي معرفتك بحقيقة الذي تعرفه وتفكيرك في الطريقة التي تفكر بها.