جبل عمر والتفريط في الأصول

يقوم نجاح الشركات المساهمة على عدة أمور من أهمها ما تملكه من أًصول وما تعطيه أسهمها من عوائد ربحية سنوية وهي ناتجة عن قوة أصول الشركة وعن حضورها في السوق،

يقوم نجاح الشركات المساهمة على عدة أمور من أهمها ما تملكه من أًصول وما تعطيه أسهمها من عوائد ربحية سنوية وهي ناتجة عن قوة أصول الشركة وعن حضورها في السوق، ولذلك تحرص الشركات المساهمة الناجحة الكبرى على عدم التفريط في الأصول وعلى تفادي المديونيات الكبيرة التي تضطرها إلى رهن أصولها لمدد طويلة أو قصيرة أو بيعها، لأن تلك الشركات عندما قررت البدء بالمشروع وضعت دراسة شاملة كافية وافية للتكاليف ومدة التنفيذ والربحية المتوقعة والتوسع المستقبلي، ووضعت نصب عينها ضمان حقوق المساهمين فيها سواء كانوا مؤسسين أم مساهمين عن طريق شراء أسهم الشركة، وهذه القواعد الأساسية لشراء أي شركة مساهمة، ولذلك فوجئنا بما نشر من إعلانات متكررة في بعض الصحف المحلية عن قرار مجلس إدارة شركة جبل عمر للتطوير بيع نحو ستين وحدة سكنية من الوحدات الموجودة في المشروع بالمزاد العلني وهي وحدات مطلة على المسجد الحرام، وإذا كان بيع أصول كل شركة إجراء غير سليم فإن جزءا من أصول شركة جبل عمر أشد وأنكى وذلك للأسباب التالية: أولا- لأن نسبة كبيرة من سكان منطقة جبل عمر عندما عرضت عليهم فكرة بيع عقاراتهم لأصحاب فكرة إنشاء جبل عمر رفضوا الفكرة والبيع لأنهم يجاورون المسجد الحرام وبعض عقاراتهم مطلة على ساحاته وتدر عليهم دخلا وفيرا، إضافة إلى أوقاف لا يمكن بيعها ولا يمكن أن يأذن أي قاض بذلك لأنها أوقاف لها دخل يجلب الغبطة والمصلحة لها. ثانيا- كادت الفكرة أن يتوقف تنفيذها ولكن جهات رسمية تدخلت بحجة أن جبل عمر من المناطق العشوائية، ووضعت نظاما يعطي الملاك خيار المساهمة أو البيع، أما الأوقاف فلم يكن أمامها سبيل سوى الاشتراك بقيمتها في رأسمال الشركة لتتحول رقابها إلى أسهم وأرضها إلى أرض مشاعة في المشروع . ثالثا- خطوة بيع الأصول مهما كانت مبرراتها لم يقم القائمون على المشروع بطرحها عند بدايته على المؤسسين المشاركين بعقاراتهم ولا على المستفيدين من الأوقاف ليكونوا على بينة من أمرهم، ولم يقدموا للجهة المختصة أن لديهم نية بيع شقق في المشروع وإلا لم يجدوا الدعم لفكرتهم ولاختار الملاك والمسؤولون عن الأوقاف عدم المشاركة في المشروع بعقاراتهم ما دام أن النهاية بيع بعض أصول الشركة ورهن بعضها الآخر. رابعا- ما قام به مجلس إدارة جبل عمر للتطوير من الإعلان لبيع الشقق السكنية المطلة على المسجد الحرام للمشروع سبق لمجلس شركة إدارة مكة للإنشاء والتعمير أن قامت به، حيث تم بيع عدد من الشقق المطلة على المسجد الحرام مباشرة من الجهة الجنوبية وعدد من الفلل بأثمان قد تكون مناسبة عند البيع، ولكن ثمن الشقة المباعة وأرباحها بعد ذلك بسنوات قليلة زاد عدة أضعاف كما أن الفوائد الناتجة عن عملية بيع تلك الشقق والفلل في شركة مكة عادت على المشترين بالنفع ولم تعد على أرباح الشركة، لأن كل صاحب وحدة سكنية اشتراها تقريبا بأربعة ملايين، على سبيل المثال يمكنه بيعها بسبعين مليونا على أقل تقدير خلاف دخلها السنوي لأنها تؤجر على مدار أيام السنة ناهيك عن موسمي رمضان والحج! فهل كان إجراء بيع شقق وفلل شركة مكة إجراء يصب في مصلحة أرباح الأسهم؟ وهل يعتبر الإجراء الجديد مختلفا عن الإجراء السابق؟ أم أنه امتداد له ونتائجه ستكون واحدة تعبر عن سياسة واحدة أيضا وتستهدف بيع جزء من أصول شركة مساهمة؟ خامسا- من المعلوم أن أصول الشركة تكونت من أوقاف وعقارات تعود لقصر وأيتام وغُيب وحكورات وعقارات مملوكة لمواطنين، فالأوقاف يحتاج بيع أصولها إلى إذن من المحكمة وكذلك القصر والغيّب وحتى أصحاب الأملاك فإن من حقهم أن لا تباع أصول الشركة التي تكونت من عقاراتهم لأنهم دخلوا فيها مساهمين لتلك العقارات على غير إرادتهم، فهل أذنت وزارة العدل بهذا التفريط في أصول الشركة وهي تعرف أن الأوقاف مشاعة فيها؟ هل أذنت المحاكم الشرعية ببيع شيء من أصول تعود ملكيتها إلى قصر أو غيب ؟ لقد كان حريا بالجهات المسؤولة عن الأوقاف والقصّر والغيّب والراعية للشركات المساهمة أن يكون لكل جهة منهم موقف من عدم بيع أي جزء من هذه الشركة، لأن الطريقة التي تكونت بها لم تكن بموافقة بعض ملاك المنطقة، خلاف التأخير الذي حصل في التنفيذ ولم تتدخل أي جهة بالمحاسبة أو بالسؤال عن الأسباب. إن دور وزارة العدل ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ووزارة التجارة وهيئة سوق المال حماية المؤسسين والمساهمين، لاسيما أن كثيرا منهم أرغموا على المشاركة بعقاراتهم في هذه الشركة، فأقل ما يمكن هو وقف هذا الإجراء الذي فيه بيع بعض أصول الشركة لأن هناك طرقا عديدة يمكن من خلالها توفير المبالغ المطلوبة من خلال تأجير هذه الشقق بعقود طويلة المدى والاستفادة من الدخل، أما البيع فهو تفريط في الأصول.