صيف أحمر ولا شجاع!!
أسبوعان فقط تفصلنا عن الإجازة الصيفية الصاخبة بالمناسبات والأفراح والأسفار والنوم وحاجات كثيرة معلقة إلى هذا التاريخ من السنة، فالعديد من الأسر قد خططت، وربما بعضها ملأت الحقائب استعدادا للرحلات السياحية الخارجية والخارجية، ولم يأت على ذكر الداخلية إلا القليل، لأن رحلة واحدة في الداخل تحتاج إلى خمس سنوات من الإعداد والتهيئة النفسية والمالية.
الجمعة / 24 / رجب / 1435 هـ - 23:00 - الجمعة 23 مايو 2014 23:00
أسبوعان فقط تفصلنا عن الإجازة الصيفية الصاخبة بالمناسبات والأفراح والأسفار والنوم وحاجات كثيرة معلقة إلى هذا التاريخ من السنة، فالعديد من الأسر قد خططت، وربما بعضها ملأت الحقائب استعدادا للرحلات السياحية الخارجية والخارجية، ولم يأت على ذكر الداخلية إلا القليل، لأن رحلة واحدة في الداخل تحتاج إلى خمس سنوات من الإعداد والتهيئة النفسية والمالية. لعلنا لا نبالغ إن اعتبرنا السياحة الداخلية كابوسا على الأسرة، لا يجبرها عليها إلا المقدسات، أو الزيارات والمناسبات الأسرية، فإن توفرت الملاءة المالية للأسرة، لا تتوفر عوامل الجذب الأخرى، وإن توفرت عوامل الجذب الطبيعية، لا تتوفر الخدمات الملائمة للسائح، وإن توفرت الخدمات، شح السكن أو ارتفع ثمنه دون مبرر، ودون شعور أن السائح دفع ماله فيما يستحق، وهكذا تظل سمعة السياحة الداخلية ملطخة بالهمّ والغمّ وجشع التاجر وتقصير الجهات. في طريق السائح الجوية يضيع وقته في انتظار الرحلات، وفي طريقه البرية أشواك وحفر وعناء، يعلمها الكثيرون، فمن النادر أن يظفر المسافر بمحطة على امتداد الطريق ترضي بعض أحلامه، فلا غرف للنوم والراحة، ولا مطاعم نظيفة، ولا دورات مياه مناسبة للاستخدام البشري، والمساجد التي تشعرك بالروحانية نادرة، أما مصليات النساء فلن أتحدث عنها. وعلى الطريق أيضا، وداخل المدن، يشعر السائح بأن التحويلات لم تخترع في بلد آخر غير بلادنا، وكأن المقاول يتصدّق بها على العابرين، وأكبر همه أن يضع الصبات الخرسانية، وأشرطة السلامة الحمراء، أما استواء الطريق فليس من اهتماماته على الإطلاق. داخل المدينة تبحث عن المنتجعات والشقق السكنية، فيشعرك ترديد عبارة «هذا موسم» على لسان جميع الجنسيات أنك غنيمة، فيخيّل إليك أنك عمود الشاورما التي تلوّحها نار الصيف من جهة ثم تأتي السكين الطويلة (سيف الشاورما) لتقلل حجمها من جهة أخرى، فتعود إلى مدينتك ليس منك إلا القليل والقليل جدا، فتفضّل تلويح الصيف على سيف الشاورما. لنأخذ مثالا على تقصير الجهات بدهشتك بعبارة «عاصمة المصايف العربية» تنجذب لاستكناه هذا المكان المميز بموقعه الفريد، ومناخه، وطبيعته الخلابة، وورد الطائف الشهير، تصحو بشاعرية لاشتمام الورد فجرا، فتكون الصدمة أن الورد غائب في حضور «محرقة النفايات» التي طالها الامتداد العمراني، ولم تقرر الأمانة إخماد أنفاسها النتنة بعد، وكأنها القدر المكتوب على كل أنف حلم برائحة الورد الطائفي، وهمسات ملكات الليل مقيما أو سائحا. مهرجانات ومؤتمرات سياحية، ولقاءات إعلامية، وندوات، كلها تذهب أدراج الرياح وقد عجزت عن إيجاد حلول تجعل السياحة الداخلية أكثر جذبا وإراحة وإمتاعا، وكأن الفكر يتعامى عن تلمّس حاجة الإنسان، ومتطلباته السياحية. عندما وقف المتشددون في وجه وسائل الترفيه كالسينما والمسرح مثلا، وأرهف رجل الأعمال سيف الجشع، وقصّرت الجهات في مسؤولياتها السياحية، غاب دور الهيئة العامة للسياحة عن ملامسة دواخل الإنسان السعودي وطموحاته وآماله، وهي لا تحرك هذه الجهات، ولا تتخذ خطوات جريئة في خلق مناخات سياحية جديدة ومختلفة، جاذبة لكل شرائح وثقافات المجتمع بكل تبايناتها، فماذا لو تبنت بنفسها استثمار هذه المشاريع وتقديمها للكادحين طوال العام في بناء وطنهم بما يستحقون؟ أجزم عندئذ بأن الجميع سيتحرك. نحن في أمس الحاجة إلى مبادرات قوية وجريئة وشجاعة، تعيد تشكيل المشهد السياحي السعودي، وتمنحه القوة والجاذبية، وتعيد تعريف السياحة الداخلية وإعطاءها مكانها المناسب من الإعراب على كل الصعد، فمن تراه القادر على المبادرة؟ ومن تراه الشجاع الذي سيهدم جدار التشدد والجشع والتقصير والاتكالية، ويبث الوعي السياحي بقوة وجسارة لا تخالف ثوابتنا، ولا تترك جيوبنا تنزف مدخراتها في بلاد الآخرين؟ من تراه؟ أجزم أن المسؤولين في الهيئة العامة للسياحة والآثار قادرون أن يكونوا كذلك لو أرادوا، فهل يجيب أحدٌ منهم بما يشفي صدور قومٍ ينتظرون؟!