القوة السياسية..والتقدم العلمي
اتجه المسلمون بسرعة لدق أبواب أوروبا من ثلاث جهات بعدما فرغوا من الشرق. ففي عام 711م ابتدؤوا فتح الأندلس ولكنهم توقفوا عن اقتحام أوروبا من ناحية الغرب بعد معركة بلاط الشهداء التي تعتبر معركة فاصلة في تاريخ البشرية. وفي عام 813م احتل العرب جزيرة بالرمو في صقلية وأكملوا فتح الجزيرة كلها عام 909م . وفي أقصى الشرق كان التماس مع الإمبراطورية البيزنطية على أشده. ولكن العرب والمسلمين عامة لم يتوقفوا عند الحرب كأسلوب للتماس مع الغرب الأوروبي، بل اختلط هذا التماس بين الحرب والسلم والصراع والتعاون.
الخميس / 23 / رجب / 1435 هـ - 21:15 - الخميس 22 مايو 2014 21:15
اتجه المسلمون بسرعة لدق أبواب أوروبا من ثلاث جهات بعدما فرغوا من الشرق. ففي عام 711م ابتدؤوا فتح الأندلس ولكنهم توقفوا عن اقتحام أوروبا من ناحية الغرب بعد معركة بلاط الشهداء التي تعتبر معركة فاصلة في تاريخ البشرية. وفي عام 813م احتل العرب جزيرة بالرمو في صقلية وأكملوا فتح الجزيرة كلها عام 909م . وفي أقصى الشرق كان التماس مع الإمبراطورية البيزنطية على أشده. ولكن العرب والمسلمين عامة لم يتوقفوا عند الحرب كأسلوب للتماس مع الغرب الأوروبي، بل اختلط هذا التماس بين الحرب والسلم والصراع والتعاون. وما هي إلا سنوات قليلة حتي فتحت خزائن كنوز العلوم الإغريقية التي هجرها المسيحيون واعتبروها جزءاً من عمل الشيطان بعد ما آمنت روما بالمسيح. وانصرف العرب إلى نهل كل ما استطاعوا من هذه الكنوز وترجمتها إلى العربية، وعكفوا عليها دراسة وفهماً وتحليلاً فأيدوا كثيراً من قواعدها في الرياضيات والعلوم والفلسفة. كل ذلك بالإضافة لتراث الأمم السابقة، كمصر والهند والصين. فعرف معهم العالم هندسة أقليدس ونظريات فيثاغورث والأرقام الهندسية وطباعة القوالب وعلوم الفلك والفلسفة وقفز الطب على أيديهم قفزات رائعة، وأصبح أطباؤهم (مسلمون ومسيحيون ويهود) من أشهر أطباء العالم. كان كل ذلك بدعم قوي من الخلفاء العباسيين ومن تلاهم من الولاة والأمراء. وجاء القرن العاشر والحادي عشر الميلادي ليشهد العرب تفسخاً وتشرذماً سياسياً. ورغم بقاء النهضة العلمية العربية إلا أنها تأثرت بصورة شديدة فلم تعد تقدم للبشرية تلك الأعمال ولا العلماء العباقرة، ولكنها حافظت على نوع من أنواع الثبات العلمي. أما الغرب فرغم تفسخه السياسي أيضاً إلا أنه كان ذاهباً إلى طور القوة، فابتدأ في استرجاع صقلية عام 1060م واسترجعها كاملة عام 1091م واسترجع الأندلس بعد سقوط غرناطة في 1494م وابتدأ في نقل التقدم الحضاري العربي، فنقل الأرقام الهندية ثم العربية، ونقل طباعة القوالب وصناعة الورق والتحرر من اللغة اللاتينية الصعبة، بل نقل كل الاكتشافات والتقدم العربي بكل تفاصيله عن طريق ما وجده في الأندلس وصقلية، إلا أن الفارق الوحيد بين نقله ونقل العرب أن العرب ذكروا أسماء العلماء السابقين ودانوا لهم بالفضل، أما الغرب فنسب الفضل لنفسه ونسي ما قام به العرب. وابتدأ النهوض السياسي هناك ومعه النهوض العلمي. أما عندنا فمع بداية الانكسار السياسي انكسر النهوض العلمي، وتوقفنا لا حيث كنا، ولكن أقل بكثير. نعم النهضة العلمية لا تُحمى إلا بنهضة سياسية، وللحديث بقية.