شواهد القبور بين حكمة الموت والتهكم من الحياة

تعتبر شواهد القبور التي يُنقش عليها أسماء الموتى وتواريخ حياتهم تقليدا تمارسه بعض الشعوب على اختلاف ثقافاتها منذ العصور الأولى، ففي العصر العباسي يروى أن الشاعر أبو العلاء المعري كان قد أوصى أن يكتب على شاهد قبره بيت الشعر الشهير المنسوب إليه »هذا ما جناهُ عليَّ أبي وما جنيتُ على أحد«، ومن هنا سنحاول استعراض بعض شواهد القبور لبعض المشاهير التي تعكس رغبات أصحابها وتتماهى مع تفاصيل حياتهم بكل مباهجها وعذاباتها.

تعتبر شواهد القبور التي يُنقش عليها أسماء الموتى وتواريخ حياتهم تقليدا تمارسه بعض الشعوب على اختلاف ثقافاتها منذ العصور الأولى، ففي العصر العباسي يروى أن الشاعر أبو العلاء المعري كان قد أوصى أن يكتب على شاهد قبره بيت الشعر الشهير المنسوب إليه »هذا ما جناهُ عليَّ أبي وما جنيتُ على أحد«، ومن هنا سنحاول استعراض بعض شواهد القبور لبعض المشاهير التي تعكس رغبات أصحابها وتتماهى مع تفاصيل حياتهم بكل مباهجها وعذاباتها. الشاعر الساخر محمد الماغوط سطّر على شاهد قبر زوجته التي تقاسم معها الشعر والفرح والحزن »هنا ترقد آخر طفلة في التاريخ، الشاعرة الغالية سنية صال«، بينما قال في إحدى إجاباته الساخرة في لقاء صحفي عندما سئل ماذا تريد أن يكتب على شاهد قبرك: لا تكتبوا شيئا.. (.........)! وعندما فُجع الشاعر نزار قباني برحيل ابنه توفيق نقش على قبره: «أتوفيق كيف أصدّق موت العصافير والأغنيات، وأنّ الحنين المسافر بين الكواكب مات» فيما نُقش على قبر نزار بعد وفاته: »إنَّ إلى ربِّكَ الرجعى«، وهي الآية القرآنية التي تؤكد يقين الشاعر بمآله الأخير. الشاعر العراقيّ محمّد الجواهري المعجون بوجع العراق طلب أن يُكتب على شاهد قبره بيتا من مطلع قصيدته الشهيرة دجلة »يا دجلة الخير حييتُ سفحكِ عن بعدٍ فحييني، يا دجلة الخير، يا أمّ البساتين«.. وكذلك فعل الشاعر محمود درويش فقد كُتب على شاهد قبره مقطعا من نص أخاذ له: »على هذه الأرض، سيدة الأرض، ما يستحق الحياة«.. بعد أن كتب جداريته العظيمة التي يخاطب فيها الموت ككائن ميتافيزيقي. ولأن العرف السائد كتابة اسم صاحب القبر على شاهد قبره أوصت الكاتبة المتجاوزة غادة السمّان محبيها بعدم كتابة اسمها على قبرها حين قالت: »حين أموت،. لا تكتبوا اسمي على شاهد قبري.. ولكن سطّروا حكاية حبي، وانقشوا: هنا ترقد امرأة، عشقت ورقة.. وماتت غرقا.. داخل محبرة«. في الضفة الأخرى من الحياة يبدو لي أن عبارات مشاهيرها كانت أكثر عمقا وفلسفة مما سبق ذكره لدى بعض مشاهير العرب، فها هو الشاعر والروائي الأمريكي هنري بوكوفسكي اختصر العبارات بكلمة واحدة كتبت على شاهد قبره هي: »لا تحاول«، وعلى هذا الغرار كُتب على شاهد قبر المناضل الهندي غاندي: »يا إلهي«. أما الشاعر الإنجليزي جون كيتس، أحد أهم شعراء الحركة الرومانتيكية البارزين في مطلع القرن التاسع عشر فكان خياليا في عباراته الشاهدة على قبره، الموسومة بـ»هنا يرقد من كان اسمه منقوشا على الماء«.. بيت ديفيس الممثلة الأمريكية الحاصلة على جائزة أوسكار مرتين كأفضل ممثلة 1935 أوصت بأن يكتب على شاهد قبرها عبارة »فعلت ذلك بالطريقة الصعبة«. أما الروائية الإنجليزية فيرجينيا وولف فقد وسموا شاهد قبرها بـ»سألقي بنفسي قبالتك أيها الموت، غير خاضعة و غير منكسرة«. وفي هذا السياق نجد عبارات السياسيين لا تزال تحمل زهو المنتصر، فها هو ألسكندر الأكبر، أشهر وأكبر الفاتحين العسكريين، والذي أسس إحدى أكبر وأعظم الإمبراطوريات التي عرفها العالم القديم يُنقش على شاهد قبره: »يكفيه الآن قبر، هو الذي لم يكفه العالم بأسره«، فيما كُتب على ضريح أنور السادات: »بطل الحرب والسلام، الآية القرآنية: يا أيتها النفس المطمئنة....«، أما ماركس المناضل في سبيل الاشتراكية الحديثة فُكتب على قبره: «يا عمال الأراض جميعها اتحدوا، لقد فسر الفلاسفة العالم بطرق متعددة، الهدف هو تغييرها«. ونختم بالأمريكي ذي الأصول الأفريقية مارتن لوثر كينج الذي ناضل ضد التمييز العنصري وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1964 بعد أن حصل على الحرية الكبرى فانعكس ذلك على ضريحه الذي أوصى بالكتابة عليه: »حر أخيرا، حر أخيرا، شكرا إلهي العظيم، أنا حر أخيرا«.