نسخة بوكو حرام

لم يمر وقت طويل لاستيعاب بشاعة فكر جماعة داعش وأخواتها، والتي تبدو خليطا بين بقايا فكر جهادي تائه منذ عقود، وروح عصابات وأجسام استخباراتية، لنفاجأ بمأساة أخرى من حركة “بوكو حرام” وخطفها لأكثر من 200 فتاة نيجيرية من مدرسة. على شاشة “سي إن إن” تغطية يومية متواصلة للحدث وتطوراته منذ الشهر الماضي،

لم يمر وقت طويل لاستيعاب بشاعة فكر جماعة داعش وأخواتها، والتي تبدو خليطا بين بقايا فكر جهادي تائه منذ عقود، وروح عصابات وأجسام استخباراتية، لنفاجأ بمأساة أخرى من حركة “بوكو حرام” وخطفها لأكثر من 200 فتاة نيجيرية من مدرسة. على شاشة “سي إن إن” تغطية يومية متواصلة للحدث وتطوراته منذ الشهر الماضي، مقارنة بتغطية الإعلام العربي، مع عرض متكرر لخطاب زعيم الحركة المسجل وترجمة كلماته بخطوط عريضة على الشاشة، والذي بدأ بصورة غير طبيعية في خطابه مع حركات جسمه وضحكاته.. في مشهد تلفزيوني يغري بتكراره كثيرا، مع مشاهد أخرى لأبي بكر شيكاو.. لا تقل إثارة خاصة مشهد حديثه وبيده مسواك طويل بقطر نصف بوصة يتحرك حول الأسنان.. وهو يتحدث ويضحك! هل سنلوم الإعلام الغربي ودوله في هذا الاهتمام، بحجة أنه يوجد قضايا أخرى في عالمنا لم نجدهم فيها؟! أظن هذه طريقة سجالية سهلة وغير مجدية، فالموضوع والحدث ليس عن أخلاقيات الغرب المعروفة.. وإنما أخلاقيات هؤلاء الخاطفين وثقافتهم، وكيف نتعامل معها علميا وتربويا وسياسيا.. هو تحد لنا قبل أن يكون للغرب. فمع بوكو حرام وغيرها علينا أن نتوقع نسخا لا نهاية لها من الخطف للمفاهيم الدينية والعبث بها بعقلية رجال العصابات، والتداخل بين ثقافات شعوب ومناطق وصراعات سياسية. من يصدق أن هذا الخطف “البوكو حرامي” للصغيرات جاء باسم الاحتساب ضد التعليم الغربي.. فقد جاء بالتسجيل لزعيم الحركة قوله “اختطفت بناتكم من مدرسة تعليمية غربية، وأنتم تشعرون بالقلق. قلت التعليم الغربي يجب أن ينتهي.. التعليم الغربي يجب أن ينتهي.. أيتها الفتيات ذاهبات لتتزوجن، سأبيعهن بالسوق بإذن الله”. كثير من حالات التطرف السلوكي والفكري لهذا النوع من الجماعات، أصبحت خارج القابلية للسجال حول تفاصيلها لتفهمها.. لأنها تبدو خارج المعقول السياسي والأخلاقي قبل الفقهي والديني، فأحيانا يبدو مجرد طرح سؤال: هل هذا يمثل الإسلام أو يجوز أو لا يجوز؟ هو تطبيع مع هذه الأفكار والممارسات وإعطاء هذه الحماقات في أخلاقيات الصراع شيئا من المعقولية. التطرف يأخذ من ثقافة وعادات المكان الذي يوجد فيه، ومن الواضح أن فكر وسلوكيات الجماعات الجهادية تأثر بانتقاله من مكان إلى آخر، وبالرغم من وجود مشتركات في الخطاب والفكر.. إلا أن المكان الذي تنمو فيه يترك بصمة واضحة عليها. وإذا كانت أفغانستان بسبب طول البقاء فيها قد تركت ملامح كثيرة على فكر هذه الجماعات فإنه في السنوات الأخيرة بدأ يتراجع منذ عام 2001 لصالح أماكن أخرى انتعشت فيها الصراعات. حركة جماعة بوكو حرام التي تتكون أساسا من الطلبة الذين غادروا مقاعد الدراسة بسبب رفضهم المناهج التربوية الغربية، في البدايات كانت أقرب لنموذج طالبان.. وفي نهايتها تبدو أقرب لنموذج داعش مع وجود فوارق كبيرة في كلتا الحالتين. في بداية نشأتها في الجزء الشمالي من نيجيريا عام 2002 تمتعت بشعبية، واستفادت من حالات الغضب الشعبي ضد الفساد وتهميش المناطق الشمالية من الحكومة الفيدرالية، لكن هذه الشعبية أخذت تفقدها بعد سلوكها المسلح والاغتيالات والتفجيرات، وقد قتل زعيمها محمد يوسف عام 2009. جاء بعده أبو بكر شيكاو الأكثر تشددا، وقد ساعدت السياسات المتعاقبة من الحكومة على تقوية هذه الجماعة التي تستعمل العنف تجاه الحركات السياسية المعارضة لها، وقد كسبت تعاطف بعض الشباب المسلمين هناك بسبب عمليات القتل خارج القانون من السلطات. ويجب أن نستحضر شكل الخارطة العرقية والدينية في نيجيريا لفهم تعقيدات الأزمة، ولهذا تطرح الجماعة نفسها مدافعة عن المسلمين ضد المسيحين، وحتى هذا الخطف تباطأت الحكومة النيجرية في التعامل معه في البدايات وقدمت مغالطات إعلامية.. لأن المخطوفات من أماكن عائلات مسلمة. ولا تختلف حماقات هذه الحركات عن حماقة من يريد ربط بعض الممارسات بالإسلام أو غيره بحجة أنهم يعبرون عن ثقافة كانت موجودة وليست مخطوفة من سياقات تاريخية لا علاقة لها بعالم وظروف اليوم. يشير جاكوب زين، متخصص في شؤون جماعة بوكو حرام، لموقع بي بي سي “إلى حوادث مماثلة في أوغندا، حيث تخطف حركة (جيش الرب) المتمردة، التي تريد إنشاء دولة دينية مسيحية، الأطفال وتستخدمهم كجنود وخدم وعبيد للجنس. وتجوب قوات جيش الرب ومعهم الأطفال مناطق الغابات الكثيفة والحدود المليئة بالثغرات. وتمكن بعض هؤلاء من الهرب، بينما أفرج عن آخرين ضمن مبادرات للسلام، وبقي الكثيرون أسرى مدى الحياة”.