في أدبيات المهاجر
الأربعاء / 27 / ذو الحجة / 1437 هـ - 19:30 - الأربعاء 28 سبتمبر 2016 19:30
من وقت إلى آخر نجد أنفسنا بصدد إعادة التفكير في بعض ما لازم أدبيات المهاجر زمنا طويلا من أقوال مسلم بها، وذلك مما جرى على الألسن باعتبار أن غربة هذه المهاجر هي منفى اختياري أو إجباري همها واحد وألمها مستعص. واقع الحال والذي يحتاج إلى كثير من الصدق مع النفس يؤكد تفضيل كثير من المهاجرين في أنحاء الوطن العربي لأسباب شتى تتنوع ما بين الهجرة القسرية -بسبب الحروب والصراعات- والهجرة الطوعية، لهذا الألم المحفوف بتوفر ما يبتغونه من تغيير ضروري أو مرتبط برغبات عامة وخاصة.
تجاهد أغلب أسر المهاجر، مجسدة الإيمان بصورة من صور العقد الأخلاقي والاجتماعي متفق عليها قديما ومختلف حولها حديثا. ومفاد هذه الصورة هو تقوية ارتباط الأبناء بالوطن وتنشيط ذاكرتهم. صحة وجهة نظر الاختلاف على هذا الاعتقاد يدعمه ما وفرته التقنية الحديثة من وسائل الاتصال ومقدرتها على نقل البيئة الاجتماعية والإحساس بالمكان والزمان والظروف السياسية والاقتصادية إلى المكاتب وغرف النوم وأسرة غرف الأطفال. عوضا عن اختلاف ظروف المهجر بسبب التضخم والأزمة المالية العالمية وغيرها، مما أثر على أوضاع المهاجرين المالية هنا وهناك.
ظروف الهجرة خاصة إلى دول الخليج واقع فرضه المشهد الداخلي لأغلب الدول العربية، مما انعكس على التأقلم مع هذه الأسباب وهي تختلف بشكلها الاختياري عن المفروض. وظروف هجرة العقول من الدول النامية إلى الغرب فرضته جاذبية الوسط العلمي في الغرب، وهي إضافة إلى ما يملكه الغرب، وخصما على تلك الشعوب التي لا تملك ولا توفر حكوماتها بيئة صالحة للبقاء. المتضرر هنا إنسان الدول النامية لأنه يهاجر بجسده بحثا عن وضع أفضل تاركا وراءه الأهل والأحباب. واللوم لا يقع عليه في هذا الحساب العقلاني والعملي، ولكن يقع على كثير من الحكومات الفاشلة التي لم تستطع الحفاظ على المواطنين بين أحضان الوطن، بتوفير أدنى مقومات الحياة، فحرمت بالتالي أوطانهم منهم وحرمتهم منها.
أما إذا نظرنا إلى الأمر من خلال رؤية الكتاب الصحفيين ورسالتهم الساعية في سبيل البحث عن الحقيقة نجد كيف أن الرؤية تتعذر عن قرب فلا تظهر الأشياء بحجمها الطبيعي، فهي إما مضخمة أو مصغرة لدرجة التلاشي أو ضبابية أو مليئة بالتفاصيل الصغيرة.
أما من خلال منظور الشعر والشعراء فكلما بعدنا يزداد الحنين ويبدو البلد الجميل مستحيلا. أدباء الخارج حديثهم مليء بفيوضات الشعر، عجلة شعرهم تتحرك باتجاهات تتلاءم مع ظروفهم وبيئتهم، ففي عز صيف الوطن يتحدثون عن طلب الدفء من الجليد، وفي عز شتاء البلد يتحدثون عن الربيع ونسائمه. ويعجبنا أشد ما يكون الإعجاب ونستعذب هذا الشعر الكذوب وإن صدق، ويطوف بنا في الخيال أحلاما. أما بعض الكتاب الذين انشدوا إلى واقعهم فقد حكوا على لسان أبطالهم من خلال هذه الخلفية عن احتكاكهم مع الآخر وظهور فرادة الشخصية بفضل هذا الاحتكاك ولا أحد يدري كم كان «مصطفى سعيد» في رواية موسم الهجرة إلى الشمال للروائي السوداني والعالمي الطيب صالح، سيكون مغمورا لولا هذا الآخر، (الشعب الإنجليزي). أما أدباء الداخل فإن توفرت لهم مادة الكتابة الغزيرة عن شظف الحياة فهي لا تخرج عن تشاؤميتها لدرجة لعن البلد ذاتها، وهو حديث واقعي لا خيال فيه ولا مراء، وهم رغما عن أنف «بلادي وإن جارت علي عزيزة» مضطرون إلى تحمل هذا الجور إلى ما لا نهاية. وليس هناك قيد أشد وقعا من القيد الذي تفرضه أي قوة مهما تكن على الخيال.
mona.a@makkahnp.com