الجاهل والعارف
هل تتخيل أن تقابل جاهلًا بمعنى كلمة جاهل، لا يقرأ ولا يكتب بأي لغة في عصرنا هذا؟.
الجمعة / 3 / ربيع الثاني / 1436 هـ - 19:15 - الجمعة 23 يناير 2015 19:15
هل تتخيل أن تقابل جاهلًا بمعنى كلمة جاهل، لا يقرأ ولا يكتب بأي لغة في عصرنا هذا؟. عندها، تخيل معي كيف ستكون حياة هذا الجاهل، بين أمةٍ من ذوي العيون المنفتحة، والآذان شديدة الالتقاط، والعقول القادرة على التخيل والربط والتحليل؟. جاهل لا يميز حروف اسمه من رسالة تهديد وقتل له، جاهل لا يعرف الفرق بين حرف الباء، وثمرة القثاء!. فكيف ستسير الأمية مع المعرفة في خط متوازٍ، وكيف سترافقها إلى منصات التميز والإبداع والحداثة. صحيح أن أمية العصر الحديث النمطية في مجتمعاتنا قد تمددت حتى إنها تكاد أن تشتمل على من لا يجيد استخدام منتجات التقنية الحديثة، ولو على شكل مداعبة غبية لشاشة هاتف ذكي. ولقد تمكن علماء النفس والأعصاب والمجتمعات من تأطير أنواع الذكاء، التي تمكنوا من حصرها، وأثبتوا أن الفرد يمكن أن يمتلك ما لا يمتلكه غيره من أنواع الذكاء، وأن لكل شخص قدرة خاصة في نوع من أنواع الذكاء قد لا يمتلكها الآخرون. ولكل بقعة في الأرض، ولكل مجتمع نوع معين من الجهل ودرجة من الذكاء تتعين حسب بيئة ومعتقدات وتوجهات الأغلبية، وحسب الثقافة السائدة، وحسب قدرة الفرد على البحث والتقصي والتحصيل بذاته، أو أن يكون له من يفكر عنه ويختار له من بين الأفضل، ويمنعه من دخول مناطق اللجج، ويدله على ما يحسن الولوج إليه فكأنه قاصر. العلم والمعرفة مشاعان للجميع، وما يجعلنا نتميز هو قدرة الشخص على التعلم والبحث وأخذ الرأي غير الجامد بنفسه، تاركًا لعقله ومشاعره الفرصة الكاملة لاستبيان الفكرة بتجرد، ودون تبعية لأحد. تعلموا بكل الطرق، وجربوا، وابحثوا، واقرؤوا، ولا تسمحوا لأحد بأن يلقنكم أمور دينكم ولا دنياكم إذا لم يسمح لكم بحرية كاملة أن تناقشوا في كل الزوايا، فلكم أعين وآذان، وعقول كما لهم، والفرق بينكم أنهم استخدموا ما يملكون، وحرتم أنتم وبخستم أنفسكم حقها، فلم تعودوا تملكون إرادتكم، ولم تعودوا تستفتون قلوبكم وعقولكم، ووقفتم منتظرين مع البقية، لتعرفوا ما يريدون أن يطلعوكم عليه، وليبعدوكم عما لا يريدون أن تطلعوا عليه؛ وهنا يكون الجهل مطبقًا، وأكثر من جهل عدم تمييز الحرف، ومعرفة فك الخط.