الرأي

متى يحتفل بنا الوطن؟

مرزوق تنباك
86 سنة هي عمر الوطن الذي نحتفل به وبيومه الخالد الذي يتكرر كل عام، ذلك اليوم يتحدى كل الأسماء، رسا على اسم واحد ومعنى واحد: المملكة العربية السعودية بدلا من ثلاثة أسماء كانت هي العنوان الذي ينادى به قبل الوحدة الخالدة، هذا اليوم لم يجمع الأسماء باسم واحد بل جمع الوطن كله، جمع الجزيرة العربية وجمع العرب وجمع القبائل التي كانت تعيش على أديم الأرض بأسمائها وديارها ورحلتها واستقرارها، وجمع المدن المتناحرة والأقاليم النازحة، وبقي في قبائله ومدنه وقراه وأقاليمه وسكانه صفا مرصوصا هو ما نراه ونعيشه اليوم ونحتفل به. لم يكن جمع الوطن بكل ما فيه سهل المنال ولكنه توفيق الله وعزم الرجال الذين كانت تضحياتهم مثل آمالهم. فجمعت الدولة تشتت القبائل وتباعد الأقاليم وتعدد الثقافات واختلاف المذاهب، صنعت الوحدة وتماسك الصف ونشأ المجتمع الواحد والرأي الواحد والوطن الواحد والأمل المشترك، تلك هي الثوابت التي نحتفل بذكراها كل عام ونعيد التذكر بها في كل سنة. نحتفل بهذا النجاح ومن حقنا أن نفخر به ونحتفل ومن حق أبنائنا أن يفخروا بوطنهم ووحدتهم ويحتفلوا بها. ليس في يوم واحد فذلك لا يكفي، إنما نحتاج أن تكون كل أيام السنة وشهورها احتفالا دائما ليكون الوطن حاضرا دائما، ووحدته مشعة في النفوس، لا نذكرها مرة بل تبقى شعلة متقدة في حسنا وفي وجداننا وفيما نعمل للوطن وأهله الذين لا شك أنهم أهل كل منا، نحتفل بالواجبات الكبيرة الملقاة على عواتقنا أمام الوطن وأهله، ومن يعيش فيه وعلى أرضه. حين نعطي الوطن من الولاء والحب والعمل ما يستحقه كما احتوانا في حضنه الدافئ وخيره الوافي، يكفي أن نأوي إليه ونتغنى به ونلبي نداءه. حين نحتفل بيوم الوطن لا نحتفل بيوم واحد، نحتفل بالوطن دائما وبالمواطنة أبدا ونحتفل بحقوقنا وحقه علينا وواجباتنا نحوه، وبأن كلا منا شريك فيه ومساهم في نهضته بأسهم متساوية القيمة مع الآخرين، لا يبخس أحد منا حق الآخر بوطنه مهما كانت الفوارق بيننا، حين نعرف ويعرف كل منا ذلك الحق المشترك والمساواة العادلة، وحين نثق أن الوطن للجميع لا يميز بينهم ولا يحرم أحدا منهم لرأي يراه، ولا مذهب يتبعه، ولا منطقة ينتمي إليها، عندما نكون سواسية كأسنان المشط أمام عدالة الوطن ونكون جميعا في حضنه وأمام عينه هنا نحتفل بالوطن فمتى يحتفل بنا الوطن؟ يحتفل بنا الوطن حين ننهض في خدمته ونحن نشعر أننا جميعا أبناؤه وحين نسعى ليكون وطنا عزيزا قويا بين الأوطان وآمنا مطمئنا لا نخدش عزته بأغراضنا الشخصية ومطامعنا الذاتية، يحتفل بنا حين لا يكون المسؤول فيه لقبيلته دون غيرها من القبائل، ولا يكون لقريته دون غيرها من القرى، ولا لمنطقته دون غيرها من المناطق، يحتفل بنا الوطن حين لا تتزاحم مصالحنا وأهواؤنا إلا بخدمته، ويحتفل بنا الوطن حين يكون الخيار لإدارة شؤونه باعتبار الكفاءات قبل القرابات والقدرات، قبل المحسوبيات، وحين لا تكون هناك مصلحة أعلى من مصلحته ولا فضل لأحد في خدمته، وإذا فكرنا من أجله قبل أن نقول، وخططنا قبل أن نعمل وتوكلنا على الله بعد التفكير والتخطيط، وعملنا من أجله ومن أجل أهله، وربطنا بين الجهد والمكافأة في خدمته، ذلك هو حقه علينا وحق أن يحتفل بنا مثلما نحتفل به كل عام. marzooq.t@makkahnp.com