النقد المسرحي السعودي الجاد ذبول وغياب

النقد المسرحي أحد محفزات التطوير والوقوف على مكامن الإيجاب والسلب في الحركة المسرحية، يسهم بشكل كبير في نمو العرض وتطوره وله علاقة طردية بقياس مدى نضوج وتميز المسرح في كثير من البلدان،

u0635u0627u0644u062d u0632u0645u0627u0646u0627u0646

النقد المسرحي أحد محفزات التطوير والوقوف على مكامن الإيجاب والسلب في الحركة المسرحية، يسهم بشكل كبير في نمو العرض وتطوره وله علاقة طردية بقياس مدى نضوج وتميز المسرح في كثير من البلدان، ولكن إلى أين وصل لدينا؟ وهل هو حاضر قبل هذا كله أم أنه في عداد الموتى؟

زمانان: غيابه أوصلنا لمرحلة التهريج

الكاتب المسرحي صالح زمانان يرى أن غياب النقد المسرحي الجاد عن المكتبة السعودية وأبحاث الجامعات وصفحات الإعلام أسهم في توسيع الهوّة العملاقة بين فن المسرح كحالة إبداعية ووعي الجمهور كمتلق، ورسّخ هذه القطيعة بجانب إهمال المؤسسة الثقافية في البلد، التي ضربت هذا الفن العالمي في خاصرته بإبعاده عن الجامعات والحقل الأكاديمي. وعدم تأسيس معاهد متخصصة في مجالاته المتعددة أسوة بكل بلدان الأرض. ويضيف «لو نظرنا للعالم العربي لوجدنا أن المسرح تأسس في القرن 19 تحت وطأة جدلية وثنائية الشرق والغرب وعبر النقد المسرحي الذي كان يلتف حول الأعمال المسرحية ويخرج الدلالات الفنية والاجتماعية والسياسية أمام ذائقة الجمهور، لوجدنا أن تلك المرحلة قادت تلك المحطات العربية إلى اكتشاف الثيمات العالمية للفنون، واستطاعت عبر جمالية المسرح الباهرة أن تستحدث مساحات للفلسفة والرواية والسينما والأشكال الشعرية الجديدة».

الناقد الجسر

وأشار زمانان إلى أن الحالة النقدية الواعية التي تواكب أي فن دون عزل دلالاته وتطوراته تصنع وعيا اجتماعيا كليا تجاهه، بوصف الناقد جسرا بين الحالة الإبداعية والجماهير دون تحيزه لأحدهما. معتقدا أن غياب النقد المسرحي في المملكة، هو نتيجة حتمية لقطيعة المؤسسات الحكومية معه كمشروع، وكذلك نتيجة للصمت الجبان من البوابات الإعلامية طوال هذه السنون، وسيكون -غيابه- سببا في عشوائية وذبول هذا الفن؛ الذي قاد تطور الفنون والآداب.

النقاد الهواة

وأوضح الناقد والكاتب المسرحي عباس الحايك أنه لا يمكن أن تنمو حركة مسرحية ما وتنضج وتتجاوز الإخفاقات بلا حركة نقدية موازية، فالنقد هو الكشاف الحقيقي للتجارب المسرحية التي تقدم، فالنقد هو ما يقيم هذه التجارب ويقومها، ويضعها في مسارها الصحيح، في السعودية يبدو واضحا غياب الحركة النقدية الموازية، فحتى مع وجود بعض المنشغلين بالنقد في فترة من الفترات، إلا أن هذا العدد لا يمكن أن يفي بحاجة المسرح السعودي لنقد موضوعي، فمع وجود حركة مسرحية سعودية متجددة ومتنوعة كان لا بد من وجود نقاد. مضيفا «ربما يعود سبب الغياب لقلة التحصيل الأكاديمي في مجال النقد المسرحي، فأكثر الممارسين له -مع شحهم- جاؤوا من باب الهواية والقراءة والاطلاع والتثقيف الذاتي، وقد لا يجدون منصة ينطلقون منها لممارسة نقدهم، فالصحف باتت تضيق به وبالتغطية لفعالياته ونشر قراءات نقدية عنه، وحركة النشر النقدي تبدو شحيحة جدا، ويمكن تجاوز هذا الإشكال بوجود دورية مسرحية سعودية تحتضن المنجز النقدي السعودي وتحتفي به».

«أن النقد ليس غائبا، بل يعيش حالة من الفوضى بسبب عدم وجود البيئة الملائمة لممارسته بشكل بناء، فالصحافة لا تعير اهتماما للجانب الثقافي والمسرح فرع منه، والفضائيات تتسابق على ما سقط من متاع الفن، والمسرحيون منشغلون بتصفية حساباتهم أو بالسباق خلف المنافسات الخارجية بدلا من صناعة النشاط المسرحي الخلاق في الداخل. كما بين أن مخرجات الوسط لا تؤهل المسرحي ليكون ناقدا، فقلة هم النقاد من ذوي الخلفية العلمية والذين صقلوا الدربة الأكاديمية بالقراءة والنقاش والاحتكاك مع كبار المسرحيين الجادين، ولكنهم لا يجدون في هذه الفوضى التي أصابت الفعل المسرحي الجمعي حالة تتلاءم مع ما يستحقه قولهم. وختم بوجوب الاهتمام بالدراسات والأبحاث والقراءات ضمن العمل الصحفي والإعلامي».

ياسر مدخلي

«إن بعض الممارسين للنقد يواجهون عدم تفهم عملهم الذي يقوم على مراجعة التجربة المسرحية بسلبياتها وإيجابياتها، فبعض المسرحيين السعوديين لا يملكون وعيا كافيا لتقبل النقد، ويتعاملون معه بحساسية مفرطة. تكفي مقولة أحد المسرحيين لتلمس هذا الواقع، حيث يقول: إن النقاد لا يحترمون عرق الممثلين الذين يتعبون لتقديم العرض، وإن النقاد لو كانوا يملكون القدرة لتقديم أفضل مما قدم لكان لهم الحق بالنقد، وإلا فالأفضل أن يصمتوا ويبتعدوا»..

عباس الحايك

«إن النقد كنتيجة يعتبر امتحانا لتدفقات الإبداع، ويصنع مصفاة لمخرجات الجيل الإبداعية، وعبر غيابه في المسرح السعودي نلحظ اختلاط الحابل بالنابل، ولعل هذا ما أوصلنا لمرحلة تسمى فيها دقائق «التهريجات» وعروض الترفيه التي تنفع في ممرات الملاهي مسرحيات؛ بل إن الإشكالية امتدت حتى خشبة المسرح وكواليسها، فغابت مصطلحات الفن المسرحي عن العاملين في المسرح، وغابت معادلة الوعي الفني التي تُخرج العروض المرحلية، في حين أن الناقد هو الأشهر في استخدام هذه المصطلحات وإحيائها، وعبره تظهر جماليات الإبداع الخافية».

صالح زمانان