الشفافية الفجائية في وزارة الخارجية

عودتنا الجهات الحكومية التزام الصمت تجاه نقد الجمهور لها، أو التصريح الساذج الذي يزيد الطين بلة، لكن فاجأني قبل أسبوعين ما قام به رئيس الدائرة الإعلامية بوزارة الخارجية السعودية، سعادة السفير أسامة النقلي

عودتنا الجهات الحكومية التزام الصمت تجاه نقد الجمهور لها، أو التصريح الساذج الذي يزيد الطين بلة، لكن فاجأني قبل أسبوعين ما قام به رئيس الدائرة الإعلامية بوزارة الخارجية السعودية، سعادة السفير أسامة النقلي، من سلسلة ظهورات إعلامية بدأها بتصريح دسم لصحيفة محلية أعقبه ظهوره في قناة تلفزيونية وبعدها حلوله ضيفاً على أحد المواقع الإلكترونية. تحدث سعادة السفير عن جهود الوزارة في حل قضايا المواطنين بالخارج، (180.000) مائة وثمانين ألف قضية خلال ثلاث سنوات، أغلبها يندرج تحت تصنيف الجُنَح (الأخطاء الصغيرة) وصرح بالمسكوت عنه وهو القضايا الجنائية كالقتل والاعتداءات والسرقة والمخدرات، وتعيين الدولة محامياً –من طراز جيد- لاستنقاذ المواطن من أي إشكال قانوني يصل به إلى المحاكم، مع التكفل بكافة المصاريف المتعلقة بذلك، كان كلاماً يثلج الصدر. ما قامت به وزارة الخارجية لا يعتبر (معجزة)، كل ما فعلته هو التحرك بتغيير سياستها المعتمدة على الصمت بقصد (حماية سمعة المواطنين)، وهو تغيير مدروس لم يؤد للتشهير بأحد، وأنا أعلم من اطلاع شخصي سكوت الوزارة عن قضايا اتهمت فيها بالتقصير وشُنِّع عليها فيه ومع ذلك لم تبادر للدفاع عن نفسها وإبراز جهودها وذلك تقديماً لمصلحة (حماية سمعة المواطن) مع كون المواطن المعني بالواقعة -هو وذووه- أول من يهاجمها ويؤلب عليها الرأي العام، مما يحد من فعالية هذا التغيير في سياستها. إن الاهتمام بصورة المؤسسة عند الجمهور مطلب جليل، لذا أطالب الوزارة بأمرين، أولهما: أن لا تقف موقف العاجز عن الرد في القضايا التي يتنمر فيها مواطن لئيم تلقى المعونة ثم تنكَر لها وسعى لتأليب الرأي العام عليها قاصداً تحقيق مكاسب شخصية أو غيرها، فهذا يستحق التشهير بحالته معاملة له بنقيض قصده ودفعاً للضرر عن الوزارة وحماية لسمعتها، ولو أن يكون ذلك عن طريق فيلم وثائقي يشرح الأحداث والوقائع بالتفصيل ويستدعي الشهود، وثانيهما: أن تمتد هذه الشفافية للإخفاقات التي مُنيت بها الوزارة، حيث إن الخطأ سينكشف عاجلاً أو آجلاً والاعتذار مع التوضيح خير من المكابرة مع ترك الأمر للتفسيرات المتربصة. قد يقال: ليس في هذا الصنيع جديد فهو مجرد تلميع من الوزارة لنفسها وتغنٍ بمنجزاتها، وأقول بل هو خروج عن سياستها التي كانت تتضمن عدم تلميع الذات ولا التغني بالمنجزات، ونحن نشجع تغيير السياسات خاصة ما يقوم على اعتبار رأي الجمهور، ونطالبها -كما سبق- بمزيد شفافية يشمل الاعتراف بالخطأ والاعتذار لقطع الطريق على المزايدين، عسى أن تكون بذلك مثالاً يحتذى لوزارات أخرى تمس المواطن أكثر والغموض حولها أكبر، وهذا هو المقصد الأسمى! فإياك أعني واسمعي يا جارة.