صناعة القيم وأثرها في بناء المجتمع الإنساني
الكلمة الطيبة وحسن الخلق ومكارم الأخلاق ضالة الإنسان أنّى وجدها فهو أحق الناس بها، وهذا القول العربي الجليل يرشدنا ويدلنا على إقرار العمل الطيب والقول الصالح والتوجه السوي وتأصيله لدى الآخر للأخذ والعمل به، لأن المؤمن هو الأولى والأحرى لما فيه خير العالمين وصلاح المؤمنين.
الثلاثاء / 29 / جمادى الآخرة / 1435 هـ - 22:15 - الثلاثاء 29 أبريل 2014 22:15
الكلمة الطيبة وحسن الخلق ومكارم الأخلاق ضالة الإنسان أنّى وجدها فهو أحق الناس بها، وهذا القول العربي الجليل يرشدنا ويدلنا على إقرار العمل الطيب والقول الصالح والتوجه السوي وتأصيله لدى الآخر للأخذ والعمل به، لأن المؤمن هو الأولى والأحرى لما فيه خير العالمين وصلاح المؤمنين. إن الإصلاح الإنساني في الأرض يعمل جهده لبلوغ غايته المُثلى من الخُلق الرفيع الذي كان وسيظل سناماً ترنو إليه وتتطلع إلى أفقه الأعلى كافة الرسالات والتعاليم والديانات التي فاضت بها السموات من لدن رب العالمين على خلق الله في الأرض، ليتخذ الإنسان منها زاداً للطريق ولتكون له بها القوامة على ظهر البسيطة التي استخلفه الله عليها ومن ثم يكون جديراً بذلك الهدْي الرشيد والمُثل القويم ولنا في تاريخ السابقين ما يدلل ويبرهن ويؤصل لذلك المعنى الإنساني الذي يحض بني البشر على أن الخلق الكريم يظل كريما برغم ما يعتري الطريق من معوقات وعلينا أن نحذو حذوه ونرافق دربه لنسلك به سبل الرشاد، وقد جاء الإسلام للبشرية هاديا ومعينا وعند الجاهليين من العرب القدامى عادات حميدة فأثنى عليها وحض على استمرارها لتتأكد بذلك واقعية المنهج الرباني في الأخذ بكل ما يدعو إلى خير البشرية ونبذ الشرور والمفاسد لدى المجتمع الإنساني المستخلف في الأرض الذي حمل أمانة عظيمة أبت السموات والأرض والجبال في صرامة متناهية أن يحملنها وأشفقن منها. وفي هذا المثال التاريخي عِبرٌ تواترت لنا عَبْر سِير الأولين لتأصيل ذلك المعنى. فحينما قام أبو جهل بضرب أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنها وعن أبيها) في دار الصديق لينتزع منها اعترافا بمكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبيها الصديق فلم يلق منها جوابا فصفعها وشج وجهها الكريم ونزف دمها الطاهر وكان معه صاحبٌ له من جماعة الكافرين فنظر لصاحبه وقال له اكتمها علي وإلا عيرتني بها العرب، فبرغم جهله وصلفه وجحوده ومحاربته للدين الحق إلا أنه كانت هناك عادات وثوابت لا يتجرأ عليها أحد وإلا استشعر بصغره وعظم ذنبه. إن الآخر لهو عنصر حاضر في المجتمع الإنساني، كلٌ يتعاون ويعمل من أجل خير الواقع البشري وكان في التعاملات الإسلامية مع الآخر أبلغ مثال على الأخذ بيده إلى الطريق المستقيم والنهج الإيماني القوي، وكان في ذلك تأصيلا للمنهج الرباني كي يتسنى له التعامل مع الآخر بمُثلٍ عُليا وأخلاق رفيعة انطلاقا من التعاليم السمحة التي أمر بها رب العالمين في شرعه الحكيم. وكان لانتشار الدين الحنيف من خلال المعاملات الإنسانية التي ترقى بالفكر البشري أبلغ مثال من الخُطب والمواعظ في الواقع العملي بعيداً عن التعصب لتتحقق بذلك العدالة الاجتماعية التي يعيش الجميع في كنفها وتحت مظلاتها التي يحفها الخُلق الرفيع، ولنا أعظم مثال في النبي القدوة (صلى الله عليه وسلم) حينما صعد إلى الرفيق الأعلى ودرعه مرهونة عند اليهودي. إن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم فنرى في المخالطة إيجابية المسلم المنشودة التي يعمل من خلالها كل خليفة في الأرض على حدة لترسيخ المعنى الجليل لإصلاح المجتمع الإنساني بأسره. وعلى النقيض هناك مشهد آخر من مشاهد السلبية البشرية التي تركن إلى الراحة وتخلد إلى الدعة واللامبالاة بالشأن الإنساني. وحينها يطالعنا من هو متقوقع على ذاته ومنكفئ على لذاته يأكل ملء بطنه ويضحك ملء سِنّه ولا يعبأ بالآخرين، ومن هنا كانت عالمية الدعوة المحمدية على صاحبها (الصلاة والسلام) لا تحابي طائفة على حساب طائفة أخرى، حتى وإن كانت لا تدين بدينها وإنما كانت النظرة الثاقبة للدين الجديد أنها تنطوي تحت لوائه الخلقي الذي بعث صلى الله عليه وسلم ليتممه. إن العدالة الاجتماعية التي جاءت بها الشريعة السمحاء جعلت من هداية البشرية غايتها الأولى لينعم الجميع بالحرية والمساواة وتكافؤ الفرص تحت ظل سماحة ومكارم الأخلاق، إن المجتمع الإسلامي يجب عليه أن يعمل بجد واجتهاد لتتحقق من خلاله عالمية الدعوة ليتلاقى الرقي الأخلاقي والإبداع المادي وينصهرا في قالب إيماني متفردٌ في خصائصه متكاملٌ في طرحه متأصلٌ في نسيجه متلاحمٌ في بنيانه. إن التوجه البشري قد ضل والفكر الإنساني قد اعتل حينما صارت هناك تفرقة بين أبناء المجتمع الواحد على أساس جنس أو عرق أو نسب (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، والتقوى التي عني بها الإسلام هي تقوى القلوب التي تحض على التوجه إلى الله بالبذل والعمل وكسب الأرزاق وعمارة الكون (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وللشعائر التعبدية جانبها الإيجابي الصحيح وهو الوجه العملي لتلك العبادة بالعمل النافع الهادف الذي يجعل من العنصر البشري عنصراً عاملاً منتجاً أكثر منه عنصراً خاملاً مستهلكاً لكل شيء من حوله، والداعي لذلك كله هو ارتقاء الفكر البشري لتصحيح المسار الإنساني للوصول إلى غاية أمتنا الشماء لتتبوأ مكانتها تحت الشمس. من هنا كان لزاما أن يكون هناك منهج تربوي يأخذ بالنفس البشرية إلى جادة الطريق كي تصبح بعدها في أفضل أحوالها على الإطلاق، ومن أولويات ذلك العمل التأثير والتأثر فيمن حولنا أي أنه على العنصر البشري أن يتبع الخطوات العملية للتغيير بمراحلها التسلسلية في خطوط متوازية لتطبيقها على نفسه وعلى من حوله ممن يخالطهم ليعلم من خلال تعامله مع الآخرين مقدار صبره وتحمله لهم فالذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على آذاهم، فمن أين لمن يعتزل الناس أن يدرك إلى أي المراحل قد وصل وعلى أي درجة في التغيير قد حصل. إن الإحساس التام والشعور الكامل لدى الإنسان بدوره في الأرض والتبعة الملقاة على عاتقه تجعله في أتم حالات الاستعداد القصوى للتغيير الإيجابي لحمل الأمانة فعند إذن يكون قد اكتمل بناؤه الفكري في قناعة كاملة لهذه التكاليف والواجبات التي ألزمه الله بها ومن ثم يكون هذا الانسجام الكلي بين المخلوق المكرم وبين نواميس الوجود كي لا يكون هناك انفصال أو انفصام في وحدة الغاية بينه وبين تلك النواميس الكونية لأن القدرة والمشيئة العليا قد سخرتها له لاستعمالها في عمارة الأرض وتعبيد الأشياء والأحياء لعبادة خالقها. وتتجلى لنا أهم الخطوات في عملية التغيير أن تكون النفس البشرية ابتداء عندها شعور قوي بالحاجة للتغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). على الإنسان إذن أن يعقلها ويتوكل على باريها آخذا بالأسباب طارقا لجميع الأبواب فمن داوم على قرع الباب يوشك أن يفتح له.