خمرة جدة.. أخاديد للجيف والروث والرزق

جيف على قارعة الطريق ملقاة، وأدخنة تعانق السماء تستقبل رواد المكان، تلال من التبن والروث كأنها الجبال، منازل متهالكة شيدت بعشوائية وبدائية، فتحولت أزقتها إلى مخابئ لمخالفين

u0623u0643u0648u0627u0645 u0645u0646 u0627u0644u0642u0645u0627u0645u0629 u0648u0627u0644u0645u062eu0644u0641u0627u062a u0634u0648u0647u062a u062cu0646u0648u0628 u0627u0644u0639u0631u0648u0633 u0648u0647u062fu062fu062a u0628u064au0626u062au0647

جيف على قارعة الطريق ملقاة، وأدخنة تعانق السماء تستقبل رواد المكان، تلال من التبن والروث كأنها الجبال، منازل متهالكة شيدت بعشوائية وبدائية، فتحولت أزقتها إلى مخابئ لمخالفين يستثمرون في كل شيء، ويتاجرون فيما تلفظه المنازل وتقذفه المستودعات والمصانع. الجولة في دهاليز جدة جنوبا، رافق »مكة« فيها عضوان من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، جاءا لرصد الواقع المُر الذي نشرته الصحيفة تحت عنوان (جنوب جدة بؤرة انتشار الأوبئة) في الـ 23 من الشهر الحالي، أماطت اللثام عن وجه بشع للعروس وملامح أخرى لا يعرفها إلا من وطئت قدماه المكان، وشاهد بأم عينه المأساة.

مخالفات في وضح النهار

في أقصى نقطة جنوب قلب جدة يقع حي الخمرة، الذي تحيط به العشوائيات والبقايا والمخالفون من الجهات الأربع، المكان تحدث عنه أحد سكان الحي ويدعى: صالح الناشري «الخمرة في طي النسيان منذ زمن بعيد، وخارج أجندة مشاريع الأمانة التطويرية»، ووصف الحال «بصر الرقيب وبصيرته عمياء عن الوضع القائم هنا، والفرق الميدانية مشلولة الحراك، بل إنها متناسية ومنسية، وخير دليل أن المخالفات تقع في وضح النهار، فيما العمالة الوافدة تجوبه دون خوف أو تردد».

مرادم عشوائية وحرائق لا تنطفئ

قادنا الدخان المتصاعد إلى مردم عشوائي من بين ثلاثة كبرى تتجاوز مساحة الواحد منها 400م2، وتدير أعمال الحرق والتنقيب فيه عمالة أفريقية، الغريب أن أحدا منهم لم يبد قلقا أو خوفا من وجودنا برفقة مركبتين كانتا تقلان عضوي المجلس البلدي، ومراقبي رئاسة الأرصاد وحماية البيئة، فاستقبلوا أضواء فلاش الكاميرا بإيماءات السلام وإشارات الاستهزاء، ولم يعيروا لوجودنا أدنى اهتمام، وعادوا لممارسة الأعمال المسندة إليهم. نطق لسان أحدهم مرحباً، وفي حديث مقتضب قال «نوقد النار لصهر الكابلات لنستخرج النحاس، ويعمل البعض في فصل الحديد والألمنيوم عما سواهما من المواد، فيما ثلة أخرى تنقب بين النفايات وتعزل ما يمكن بيعه عما لا قيمة له ولا سوق». غادرنا المكان بعد أن أشاح العامل عنا بوجهه وانصرف لإكمال المهام الموكلة إليه، في حين أكد عضو المجلس البلدي، عثمان الفقيه، أن المخالفين يسكنون على أطراف المردم في عشش أنشؤوها ببقايا الأخشاب والورق.

صهر النفايات

عضو المجلس البلدي، أبى إلا أن يأخذنا في رحلة إلى الأخاديد التي لا يمكن الوصول إليها إلا بشق الأنفس، وبعد أن وصلنا بدأ في الحديث عنها قائلا «هذه الأخاديد شُقت بعيدا عن أعين مراقبي البلدية، وتستخدم لرمي النفايات، حيث تُفرز وتنقى قبل صهرها لاستخراج المعادن». وأكمل «ينشط العمل في المنطقة بشكل عام عند المساء بعد ضمان انتهاء الدوام، وبعد حلول المساء تلفت ألسنة اللهب انتباه المارين فيما تزكم روائح الدخان أنوف السكان ومرتادي الحي». وأشار إلى أن العمالة التي تدير العمل تغلق المداخل والمخارج قبل مغادرة المكان فجرا، وتعاود فتحها أمام الشاحنات المحملة بالغلال ليلا، مستغلين انتهاء دوام الفرق الرقابية ولضمان عدم القبض عليهم.

تجارة المخالفات والنفايات

أثناء التجول بين أكوام النفايات لحظنا شاحنة تُفرغ حمولتها في مردم أنشأته عمالة أفريقية مؤخراً، تتجمهر حول سائقها عمالة مخالفة، حينها وصف الفقيه ما يجري بالأمر العادي، وقال «إن ما يحدث لا يعدو كونه عملية بيع وشراء، فالسائق يبيع الحمولة على رئيس العصابة، الذي لا يعرف شيئا عما بداخل تلك الكومة، وبعد قبض الثمن تُفرغ الحمولة، وتصبح النفايات ملكاً للمشتري والذي بدوره يبدأ في التنقيب فيها بمعاونة زمرته للحصول على ما يمكن المتاجرة به.

حركة مرورية عنوانها الفوضى

عبثية حركة المرور في الخمرة ملفتة، فلا ضوابط تحكم السير، والفوضى عنوان قائدي المركبات الذين ينتهكون حُرمة الطريق، فالأولوية للمركبة الأضخم، والتي يحق لقائدها التحرك في أي اتجاه وعكسه إن شاء، وبحسب عامل في أحد المصانع، فإنه لم ير قط دورية مرور تضبط مخالفا، أو رجل أمن ينظم السير. بلغنا نقطة أخرى في الخمرة، وإذا برجل أفريقي يدعى: محمد، بيده حبل يوثق به الرباط على كومة خشب يحملها في شاحنته المتوسطة، اقتربنا منه وتحدث إلينا عن طبيعة عمله فقال «أنا هنا أبحث عن الأخشاب فقط، أجمعها ثم أبيعها لمصانع الأثاث في سوق الصواريخ والمنطقة الصناعية». مبينا أن قيمة الحملة الواحدة لا تتجاوز الـ 150 ريالا، تركناه وعاد يكمل عمله فيما كان يرقبنا من خلف تل صغير وافد أفريقي آخر، أضرم النار في كابلات وأسلاك بحثا عن المعادن.

بيع حليب على قارعة الطريق

المشهد في الخمرة لم ينته بعد، ولم يقف عند حدود النفايات والبحث تحت أنقاضها عما خف وزنه وغلا ثمنه، فحظائر الإبل تنتشر على الطرقات الرئيسة بشكل ملحوظ، والباعة يضعون «الطيس» على الطاولات إشارة إلى وجود الحليب، وعند هذا المشهد تساءل أحد المرافقين متعجبا «أين وعود الأمانة وحملتها لمنع بيع حليب النوق.. أم أن جنوب جدة خارج الاختصاص؟». عاد عضو المجلس البلدي يتحدث عن الأعمال التي تجري في المنطقة، فذكر أن المعضلة التي تنتظر سكان الخمرة تتمثل في التخطيط لتوسعة محطة معالجة الصرف الصحي التي ستفاقم مشكلة التلوث في الأحياء السكنية، معترفا بفشل كل جهود المجلس لحل الأزمات التي تواجه الحي وتنوعت بين الأمنية والبيئية والبلدية فيه.

حجر الأنعام الصحي والخطر البيئي

مغادرة الحي لم تنته باعتراف الفقيه بالفشل، الذي أصر أن يصطحبنا برفقة مندوبي الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة إلى إدارة الحجر الحيواني التابع لوزارة الزراعة والتي تكاد تكون شبه مهجورة فلا موظفين ولا حركة في الداخل. وفي فضاء متاخم لسور إدارة الحجر الحيواني، أنعام ميتة، ومخلفاتها مكومة إلى درجة أنها تحجب الرؤية عموديا، كل ذلك ممزوج بنفايات صناعية وزيوت وإطارات، قررنا الدخول للإدارة، وهناك التقانا أحد العاملين، الذي استأذناه في الدخول فوافق مشترطا أن يكون مرشدنا في التجول بين الحظائر. سأل الموظف بعفوية «تبحثون عن كورونا؟ ودون أن يأخذ الإجابة أشار إلينا بيده أن اتبعوني، لحقنا به فكانت الحظائر ممتلئة بالإبل ولا يوجد غيرها، أما مستوى النظافة فمتدني. تحدث إلينا عن آلية إتلاف المواشي النافقة، فأوضح أن التخلص منها يكون عبر حرقها في تنور كبير.

بلدي جدة يناقش المشكلة

ناقش رئيس وأعضاء المجلس البلدي بجدة، بحضور 50 مواطنا ومواطنة، احتياجات ومطالب سكان الأحياء. وعرض المجلس مجموعة من الخطابات المرسلة للجهات المسؤولة بناء على شكاوى ومقترحات سابقة منها المطالبة بإعادة النظر من وزارة الزراعة على المحجر الصحي التابع لوزارة الزراعة، والذي ترمى به مخلفات صحية، وحرقها بمناطق مفتوحة وقريبة من السكان، مما يسبب خطرا على صحة المواطن والبيئة. وخاطب بلدي جدة محافظة جدة بخصوص سكان حي الخمرة، الذين تقدموا بمقترح للمجلس بشأن إنشاء مركز للشرطة بحي الخمرة للحد من انتشار السرقات وبيع المسروقات ومتابعة المخالفين، كما خاطب وزارة الصحة بإنشاء مستشفى بحي الخمرة، لوقوع الحي على الطريق الدولي «جدة - جازان» وكثرة الحوادث عليه، فيما رفع مقترحا لمدير إدارة التربية والتعليم بمحافظة جدة لتشكيل لجنة صحية للكشف على الطلاب والطالبات ومتابعتهم صحيا بشكل دائم.