جاذبية السهولة
الجمعة / 22 / ذو الحجة / 1437 هـ - 19:45 - الجمعة 23 سبتمبر 2016 19:45
كان الأديب مصطفى صادق الرافعي يعيب على طه حسين سذاجة أسلوبه الكتابي، اجتمع معه مرة وحكى له عن عالم كان إذا تحدث لا يفهم عنه حتى أخص طلابه، فعلق طه حسين بقوله «ده لازم مغفل».
أسلوب الرافعي كان على العكس تماما من أسلوب طه حسين، كان (يلغز) إذا كتب.
مضى الرافعي وطه حسين لربهما، لكن الزمن أثبت صحة رؤية طه حسين، فكتب الأخير منتشرة ليس بين عموم القراء وإنما بين النخب أيضا، والسبب اقتصادي.
يعلم أي مهتم بالمعرفة أن العمر أقصر من أن يمتد ليقرأ الواحد أحسن الكتب في مجال معرفي معين، فضلا عن كلها، نص الكتاب المعقد، يستنزف من القارئ أهم ما لديه وهما الزمن والقدرة العقلية.
بعض المواضيع المعرفية تكون شائكة بطبيعتها ويحتاج فهمها إلى وقت وجهد، بالمقابل أغلب المواضيع سهلة الفهم، فلم التحذلق وإجهاد القارئ؟
تعمد دور النشر العريقة قبل نشر أي كتاب، أن تقدمه لمحرر نص، مهمته فك غموض بعض الجمل، وجعل أسلوب الكتاب أكثر سلاسة.
قرأت مرة لكاتب سويسري يدعى «رولف دوبلي» أنه كان يستحي أن يقول إنه لم يفهم كتابات جاك دريدا، ثم لما نضج تيقن أنه لم تكن مشكلته وإنما مشكلة دريدا أنه لم يكتب ما يفهم.
يعيب جلال أمين على من يكثر في كلامه من مصطلحات مثل «روح التاريخ» و»المطلق» مع أنه لا أحد يفهم بالضبط معناهما.
في ديوان المتنبي، كان يمر على أبيات له، احتار تلامذته وهم أساتذة الأدب واللغة في فهمها!
الأبيات الشعرية التي سارت مسير الشمس كانت واضحة، أما من قال عنها البحتري:
علي نحت القوافي من مقاطعها وما علي لهم إذ لم تفهم البقر!
فقد ظلت حبيسة الدواوين الشعرية!