الرأي

صخيرات ديبورا

عبدالله الجنيد
ديبورا جونز سفيرة الولايات المتحدة في ليبيا تعد من الشخصيات «العالية الحضور High Profile» في الملف الوطني الليبي. قد يكون ذلك بدافع الطموح المهني أو تحقيق إرث سياسي شخصي يماثل من سبقها، من أمثال حاكم العراق السابق بول بريمر، أو السفير فوق العادة د. توماس كراجسكي في البحرين. السفيرة جونز ذات طاقة جبارة تستثمرها - غير منقوصة - في إنجاز الشق السياسي من الرؤية الأمريكية لأمن حوض المتوسط في ليبيا، لذلك توالت على مشهد الأزمة الليبية مخرجات صخيراتية وحكومات مبكبكية (المبكبكة طبق ليبي)، لدرجة أن تهيأ لنا أن أي لقاء بين ليبيين اثنين في الصخيرات قد يسفر عن تشكيل حكومة جديدة، والإشكالية في ذلك ليست ليبية بقدر ما هي إرادات دول عظمى، وواحدة أخرى «مستعظمة». تلك العملية لم تكن عبثية بحتة، ففي حين انشغل الجميع بالمسارات السياسية تحقق أول أهداف السيدة جونز، فقد تساوى البرلمانان «المنحل والدستوري» في العملية السياسية، وثانيا انقضت ولاية الشرعية الدستورية دونما تحقق للاستقرار الأمني أو السياسي، ذلك كان الظرف الموضوعي المطلوب من أجل تكيف حكومة وفاق تقدم وطني في دراما ملحمية على غرار نزول الجنرال ماك آرثر إلى شواطئ الفلبين في الحرب العالمية الثانية معلنا البدء في تحريرها من المحتل الياباني، إلا أن السيد السراج اختار قاعدة «أبوستة البحرية» بدل شواطئ طرابلس. المبعوث الألماني المخضرم مارتن كوبلر (المختص في الشؤون الأفريقية) اختير ليمثل الثقل الألماني أوروبيا، لكن الدبلوماسية الألمانية تختلف عن الأمريكية، لذلك نجد المبعوث كوبلر - كسابقه الإسباني برنادينو ليون - يخضع لحاكمية مدرسة الدبلوماسية الأمريكية الحديثة والقائمة على (الاستنزاف بكل الأدوات)، إلا أن ليبيا ليست سوريا، ويختلف الشرق عن الغرب في نظرتهما السياسية وطنيا، ويظهر ذلك جليا في حجم الجهد المبذول في محاربة الإرهاب الذي ترفع رايته الولايات المتحدة، لدرجة أن العالم كان يتساءل عن اختلاف الموقف الأمريكي من دواعش ليبيا، وكأنهم الورم الحميد الذي لا يستوجب الاستئصال، في حين أنه من صلب البغدادي. آليات العملية السياسية اختلفت الآن كليا بعد قرار الجيش الوطني تطهير الهلال النفطي، واستباقه تسليم سلطة تصدير النفط للمؤسسة الوطنية، ليمثل ذلك أول نتائج تلك العملية في إشارة واضحة لشكل التحول الممكن في آليات العمل السياسي في ليبيا. الليبيون الآن مخيرون بين الاحتكام إلى عملية وطنية وبأدوات ليبية، أو الركون إلى حلول قد سبق اختبارها في سوريا. ومن مصلحة الجميع التذكر أن ليبيا عضو مؤسس في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، ومصر بإعلان موقفها من الجيش الوطني الليبي يعد موقفا ممثلا للتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب يلزم فقط الأعضاء المتفقين وذلك الموقف، فاستقرار ليبيا يجب أن ينظر إليه كأولوية قصوى لتحقيق الاستقرار في الشمال العربي الأفريقي، ويتوجب علينا الآن إظهار ذلك عبر دعم مشروع سياسي وطني يكون قابلا للاستدامة قبل أن تتحول «صخيرات ديبورا» إلى معالم تقسيم ليبيا. aljunaid.a@makkahnp.com